مفارقة الروشة- نيويورك: سوريا إلى احتضان ولبنان في حقل ألغام

يتوه لبنان في زواريب بيروت. ومن على شرفة البحر حيث كانت الصخرة حاجزاً يحمي المدينة من الأعاصير، إذ بها تشهد على “أعاصير” الرصيف. أريد للبنان أن تتكسر على صخرة روشته هيبة الدولة “قيد الاستعادة”. وعلى عادتهم انقسم اللبنانيون، بين من أراد في ما حصل تثبيت “هويتها المقاومة” ومن يريد تمتين الدولة صاحبة القرار في الحرب والسلم والأمن. لكأن هذا اللبنان يتنقل من غرق إلى غرق، ربما يختار الانتقال من الغرق في مستنقعات، إلى الغرق في انقسام على شاطئ عاصمته. أما ما وراء المحيط فكان المشهد مختلفاً، حيث تصدّرت سوريا وفلسطين المشهد الدولي. ضجّت أروقة الأمم المتحدة بسلسلة اعترافات بالدولة الفلسطينية، وبمواقف منددة بالحرب الإسرائيلية المستمرة. أما سوريا فسعى رئيسها أحمد الشرع إلى استعادة هيبتها من على المنبر الأممي أو عبر اللقاءات التي عقدها وبدت وكأنها تتويج “لسوريا الجديدة” ذات الهوى الغربي، وهي المرّة الاولى في تاريخها. 

في مختلف الأورقة الدولية، تبقى المقارنة أو المفاضلة قائمة بين التجربتين الوليدتين في لبنان وسوريا. إذ إن النظرة الدولية إليهما تريد لهما أن يسلكا الطريق نفسه، لكنها لا تبدو كذلك. ثمة رأي دولي يعتبر أن دمشق قد خطت خطاها سريعاً، فيما لبنان لا يزال يتباطأ. وستتخذ هذه القوى الدولية الضاغطة من مشهدية “صخرة الروشة” سبباً لتثبيت رؤيتها، خصوصاً أنها تعترض على مسار “عدم استخدام القوة” لسحب السلاح. وذلك ينعكس بوضوح في كيفية التعاطي الدولي والإقليمي مع البلدين، حيث تحظى سوريا باهتمام واحتضان وتتوارد إليها الشركات والاستثمارات أو المساعدات، بينما لبنان لا يزال يسعى وراء عقد مؤتمر دولي لدعم الجيش ووراء مساعدات قد لا تأتي. 

وفق المنظور الدولي نفسه، فإن دمشق تقدّمت على بيروت. ويشير المسؤولون الدوليون والديبلوماسيون إلى أمرين: الأول أن يسير لبنان على الخطى السورية. والثاني هو أن يسعى إلى ترتيب علاقاته بسوريا كي تكون له حصة محفوظة من استثمارات المنطقة، وحتى الاستفادة من مشاريع إعادة إعمارها. ذلك، ليس بعيداً عن المشهد السوري في الولايات المتحدة الأميركية، وداخل أروقة الأمم المتحدة وخارجها. بدا الحدث في هذا المجال سورياً بامتياز، من خلال ما بدا وكأنه احتفاء بأحمد الشرع، وبما يعلنه، وما يعنيه من سعي دولي إلى تثبيت حكمه وتحصيل المشروعية الدولية كاملة. وفيما غاب الشرع عن المنبر، أو الندوات للحديث عن رؤيته ومشروعه، كان حلفاء سوريا ولا سيما من الدول العربية، يتحدثون بوضوح عنها. فأمير قطر أشار إلى المخاطر الإسرائيلية تجاهها ومساعي تل أبيب إلى تقسيمها ضمن مشروعها لمحاولة السيطرة على المنطقة. إضافة إلى مواقف أخرى صدرت عن مسؤولين عرب شددت على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وجغرافيتها وتعزيز دورها ومساندتها لتثبيت الاستقرار على أراضيها ووقف الاعتداءات الإسرائيلية. 

في المشهد الديبلوماسي أيضاً، بدا وكأن هناك احتضاناً دولياً لسوريا أو احتفاء بانضمامها إلى الجانب الغربي من العالم، بما في ذلك الوصول إلى إلغاء العقوبات أو حصرها بشخصيات من النظام القديم وإسقاطها عن الدولة السورية ومؤسساتها. في الموازاة، كان الشرع يوسع مروحة علاقاته ولقاءاته مع رؤساء دول عديدة، بعضهم كان التقاهم من قبل، وبعضهم الآخر يلتقيه للمرة الأولى. وفي مروحة اللقاءات التي عقدها الشرع، وما نجح في تحصيله لسوريا، هناك مفارقة لا بد من تسجيلها، وهي أن إسرائيل بدت معزولة بسبب حربها المفتوحة وجرائمها المستمرة واعتداءاتها على المنطقة. وهذه العزلة تأتي في ظل حماوة مسار التفاوض بينها وبين سوريا. 

وللمفارقة أيضاً وبخلاف كل ما كان يتم تسريبه من أخبار عن احتمال عقد لقاء بين الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، غادر الرئيس السوري الولايات المتحدة قبل وصول نتنياهو إلى نيويورك، فيما بقي هنا وزير الخارجية أسعد الشيباني لمواصلة عقد اللقاءت، وربما للمزيد من المفاوضات حول إمكان إبرام اتفاق أمني مع تل أبيب، مع الإشارة إلى أن الشرع رفض أي لقاء مع نتنياهو بسبب استمرار الحرب على غزة والجرائم التي يرتكبها، إضافة إلى اعتداءاته على سوريا والدول العربية الأخرى. وهنا أيضاً تشير مصادر ديبلوماسية لـ”المدن” إلى أن واشنطن حاولت مراراً مع الشرع ترتيب لقاء بنتنياهو وإبرام الاتفاق، لكنه تمنّع عن ذلك. وتضيف المصادر أن هناك نقاطاً لا تزال عالقة، وهي أن دمشق تتمسك باتفاق العام 1974، وترفض احتلال إسرائيل لنقطة مرصد جبل الشيخ، وتل الحارة، إضافة إلى استمرار الخلاف حول “المنطقة العازلة” التي تريدها إسرائيل، ورفض سوريا إخلاء الجنوب السوري من السلاح، ورفض فتح الأجواء السورية أمام الطائرات الإسرائيلية. وتكشف المصادر أن جانباً من المباحثات بين الرئيسين أحمد الشرع ودونالد ترامب تركز على انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، وهو ما سيستكمله الشيباني في محادثاته. وكل ذلك يمكن أن يكون انطباعاً للصورة الأوسع، والتي تبدأ مع إيجاد الشرع كيفية الانتقال من الحالة العسكرية الجهادية إلى الحالة السياسية المقبولة دولياً، بينما لبنان لا يزال يحاول السير في حقل ألغام قابلة لأن تنفجر في أي لحظة. 

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...