يتحمّل رئيس الجمهورية جوزاف عون المسؤولية في أدق مرحلة من تاريخ لبنان. لا يستطيع الذهاب بعيدًا في الخيارات، وفي المقابل لا يمكنه تجاهل مطالب المجتمع العربي والدولي.
تقترب المسيّرات الإسرائيلية من أجواء قصر بعبدا وتخرقها. وفي هذا العمل رسالة إسرائيلية واضحة للدولة اللبنانية، ورغم صعوبة الوضع، فالخطوات الحازمة وحدها تحمي لبنان من الخطر المقبل عليه.
وتعتبر أكبر إهانة للسيادة والكرامة الوطنية تصوير عملية نزع السلاح غير الشرعي وبسط سلطة الدولة على أراضيها كأنهما يأتيان نتيجة الخوف من الحرب الإسرائيلية واستجابة لمطلب المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية. وحتى لو كان هناك تحذير من عودة شبح الحرب، يتوجّب على الدولة اللبنانية أخذ القرار الجريء وتطبيق الدستور وحصر السلاح، فلا توجد دولة في العالم تقبل بمشاركة سيادتها مع ميليشيا لا تقيم اعتبارًا لها وتتلقى تمويلها من دولة خارجية هي طهران.
في المقابل، يحاول الرئيس عون تمرير المرحلة بأقلّ خسائر ممكنة. ويبتعد بشكل كبير عن خلق أي إشكال مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي و «حزب اللّه»، ودائمًا يبحث عن حلول وتسويات من أجل عدم كسر هذا الفريق. ويعرف أن هناك فريقين في البلد هما القوى السيادية وحلفاؤها، و «الثنائي الشيعي».
شكّل خطاب القسم لرئيس الجمهورية من ثمّ البيان الوزاري بارقة أمل للشعب اللبناني لعودة الدولة وممارسة صلاحيّاتها وسلطتها، لكن «حزب اللّه» عاد إلى ممارساته السابقة، فهو أوقف هجماته على إسرائيل ولا يردّ على غارات إسرائيل واعتداءاتها اليوميّة على عناصره، ومن جهة ثانية يعمل على شراء الوقت، ويستقوي على الداخل اللبناني، ويتملّص من مسألة تسليم السلاح ظنًا منه أن عامل الوقت سيُساعده على بناء قوّته واستعادة حركته السابقة.
ويستفيد «حزب اللّه» من ضعف الدولة وعدم قدرتها على تطبيق قراراتها والتحجّج بعدم الانسحاب الإسرائيلي من بعض النقاط في الجنوب، وإذا كانت الدولة اللبنانية لا تريد صدامًا مع «حزب اللّه»، إلّا أن الضغط الخارجيّ يزداد والوساطات تظهر باستمرار.
ويبقى خيار التفاوض هو الخيار الأفضل لدى رئيس الجمهورية من أجل تجنيب البلاد مآسي الحرب. وفي هذا الإطار، تركّز رئاسة الجمهورية وتراهن على الوساطة الأميركية والوساطة المصرية. ويبقي عون خطّ التواصل مفتوحًا مع واشنطن، فلا توجد فائدة من معاداة أكبر قوّة في العالم وصاحبة النفوذ الأوّل في المنطقة. وتسعى واشنطن إلى دفع لبنان إلى مفاوضات مباشرة تكون جديّة ونهائيّة.
وفي أروقة الإدارة الأميركية، رغبة لدى الرئيس دونالد ترامب في إنهاء ملفات المنطقة والتخلّص من الحروب، ويظهر ذلك من خلال مفاخرته بإنهاء الحروب منذ مجيئه إلى البيت الأبيض، ويريد أن يسلك مسار غزة طريقه نحو لبنان، وأن يكون لبنان على غرار البلدان التي تسير بمسار التفاوض.
وبين واشنطن والقاهرة قاسم مشترك، وهو تجنيب لبنان الحرب وعدم توسيع رقعة المواجهات، وفي هذا الأمر معرفة مسبقة لأي حدّ ستجرّ الحروب الويلات. وينتظر القصر الجمهوري نتائج الدخول المصري على الخطّ اللبناني- الإسرائيلي وماذا ستكون عليه النتائج.
وشكّل بيان «حزب اللّه» الذي هاجم التفاوض واعتبره أفخاخًا، ضربة لكلّ مساعي الدولة اللبنانية، وأتى الردّ سريعًا من خلال كلمة رئيس الجمهورية في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة والتي أكّد أن لا حلّ للبنان سوى الذهاب إلى التفاوض.
لا شكّ أن عون يساير «حزب اللّه» في بعض المسائل ويتصرّف من موقعه كرئيس جمهورية ويحاول أن يرضي الجميع، لكن عندما تصل الأمور إلى الحسم يتخذ القرار المناسب، وظهر ذلك من خلال موقفه في جلستي 5 و 7 آب، حيث أقرّ مجلس الوزراء مسألة تسليم السلاح، وسيظهر هذا الأمر من خلال إصراره على المفاوضات مهما ارتفع رفض «الحزب» لهذا الأمر.
مسايرة عون لـ «الحزب» تقف عند حدود الملـــفات الاستراتيجية .






