مأزق الإيواء إلى الواجهة مجدداً: الحزب يلتزم الدفع.. ولكن

مع اقتراب حلول شهر تشرين الثاني، يستعيد لبنان ذكرى مرور عامٍ على توقّف الحرب الشاملة عليه في 27/11/2024. غير أنّ هذه الحرب لم تتوقف فعليًا، إذ لا تزال مستمرة بأشكالٍ مختلفة: اغتيالات، وتهجير، وتخويف، وحذر دائم، ومنع لإعادة الإعمار. ويُعد أبناء القرى الحدودية المهدّمة منازلهم والمقطوعة أرزاقهم الأكثر تضررًا، فهم يعانون الأمرّين: أوّلًا لبُعدهم القسري عن قراهم، وثانيًا لعدم قدرتهم على ترميم منازلهم أو إعادة إعمارها، حتى على نفقتهم الخاصة.

وفي الحديث عن مرور عامٍ على نهاية الحرب الإسرائيلية، تعود مسألة نفقات الإيواء إلى واجهة النقاش من جديد، والمقصود هنا التعويضات التي يدفعها حزب الله للذين هُجّروا قسرًا من منازلهم الأصلية واضطروا إلى الاستئجار في مناطق أخرى. علمًا أنّ الحزب كان قد دفع حينها التعويض فقط لمن كان يقيم في منزله الأصلي، أمّا من تدمّر منزله الثانوي — أي غير مسكنه الدائم — فلم يتلقَّ أي بدل إيواء، حتى ولو كان قد أجّر ذلك المنزل ويستفيد من بدل إيجاره، إذ اعتُبر أنّه لا يقطن فيه، وأنّ المستأجر قادر على استئجار منزلٍ آخر. وهكذا خسر مالك المنزل المؤجَّر ما كان يجنيه من عائد الإيجار.

لكن، وبعد مرور عامٍ على صرف بدلات الإيواء وتوقّف التعويضات عن أصحاب المنازل المهدّمة منذ فترة يطرح السؤال نفسه من جديد: هل سيُعاود الحزب دفع بدلات الإيواء بالطريقة ذاتها السابقة؟ أم أنّ اعتباراتٍ جديدة ستتحكم بالملف هذه المرّة؟

بين حربَي 2006 و2024: اختلافات في الشكل والمضمون

كثيرة هي الفوارق حين تُعقد المقارنة بين حربَي عامي 2006 و2024. ففي الأولى، لم يضطر حزب الله إلى دفع بدل إيواء لعامين متتاليين كما هو الحال اليوم، لأن الإعمار آنذاك توفّر بوتيرة أسرع، وكان إدخال الأموال أكثر سلاسة، والظروف السياسية والاقتصادية مختلفة تمامًا. أما اليوم، فالصورة مغايرة في تفاصيلها ومعانيها. فبحسب المعلومات التي حصلت عليها “المدن” من مصادر معنية بالملف داخل حزب الله، فإن الحزب أكّد التزامه بتعويض الإيواء في عامه الثاني، والذي يُستحق بنهاية شهر تشرين الثاني ومع بداية كانون الأول.

ووفق المعطيات نفسها، دفع الحزب في العام الأول بدل إيواء وأثاث في منطقة جنوب النهر لـ 37,268 وحدة سكنية، وفي شمال النهر لـ 5,465 وحدة، وفي الضاحية وبيروت ومناطق جبل لبنان لـ 12,353 وحدة، وفي البقاع لـ 3,893، وفي الشمال لـ 14 وحدة فقط، ليبلغ العدد الإجمالي 58,993 وحدة سكنية.

ومن بين هؤلاء، بلغ عدد الذين دفع لهم بدل إيواء وأثاث فعليًا 49,274 مستحقاً. وقد قُدِّر حينها الأثاث بـثمانية آلاف دولار، وبدل الإيجار بستة آلاف دولار للعام الواحد، أي ما مجموعه 14,000 دولار لكل وحدة، ليصل المجموع الكلي إلى 689,836,000 دولار.

إلا أنّ الوضع اليوم تغيّر، وكذلك الأرقام. فبدل الأثاث يُدفع لمرة واحدة فقط، بينما يبقى الحزب ملتزمًا ببدل الإيجار بمعدل 6,000 دولار سنويًا، وفق ما تؤكد معلومات “المدن”. كما أنّ عدد الوحدات السكنية المستحقة تناقص بعد ترميم وإصلاح عدد منها، ما جعل الكلفة المقدّرة هذه المرة تصل إلى نحو 200 مليون دولار وما فوق، أي ما يقارب ثلث ما دُفع في العام الأول.

تصنيف جديد للملف 

تشير المصادر المعنية بالملف إلى أنّ عملية تصنيف وتحديد جديدة حصلت بالفعل، تمّ خلالها إعادة دراسة الحالات وتدقيق المستحقين، بحيث لا يزال هناك من يستحق تعويض الإيواء، في حين انتهت أحقيّة آخرين بعد معالجة أوضاعهم.

وقد أتاح مرور الوقت لحزب الله مساحة كافية للتقييم والمعالجة، خصوصًا في ظلّ الصعوبات المالية التي واجهها الحزب مؤخرًا نتيجة التضييق المستمر عليه، وغياب الدولة شبه الكامل عن ملف التعويضات بسبب تعقيدات سياسية مزمنة.

وتؤكد المعلومات التي حصلت عليها المدن أنّ الحزب جاهز للتعامل مع هذا الملف، ليس فقط من باب الإيواء، بل أيضًا من باب التعويض على الذين صُرفت لهم شيكات عبر “القرض الحسن” ولم يتمكّنوا من قبضها بعد توقّف المصرف الحزبي عن الدفع. كما رُصدت ميزانية خاصة لخطة إعادة الإعمار في مناطق محددة، من المفترض أن تبدأ بالتزامن مع دفع بدلات الإيواء.

غير أنّ هذه العملية لن تشمل المنطقة الحدودية في المرحلة الراهنة، بسبب استمرار ظروف العدوان التي تحول دون انطلاق ورشة الإعمار هناك، في انتظار ما ستؤول إليه التسوية السياسية المقبلة. وتُظهر المعلومات أنّ الدولة اللبنانية ستتولى مسؤولية إصلاح البنى التحتية في تلك المناطق من ماء وكهرباء وطرقات، بينما سيتكفّل الحزب بإعمار المنازل.

ورغم ما أُشيع في وقت سابق عن رصد الحزب مبالغ كبيرة لبدء إعادة الإعمار في الضاحية الجنوبية، فإنّ تلك التخمينات لم تتبلور بعد إلى حقائق ملموسة. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل آن الأوان؟

بين الإيواء والإعمار: دوامة الانتظار

الحديث عن الإيواء وإعادة الإعمار لا ينفصل عن الأقسام المشتركة في الأبنية، كالمصاعد والأدراج وغيرها، التي بدأ الحزب فعلاً بمعالجتها في عددٍ من مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت. إلا أنّ كل ما ذُكر يبقى جزءًا من عملية متجدّدة، تنتظر اكتمال الصورة الكبرى لإعادة الإعمار، ولا سيما في المناطق الحدودية.

وهكذا، يبدو أنّ الحزب للعام الثاني على التوالي سيتحمّل مسؤولية تعويض الإيواء، ولكن دون وضوح إطارٍ زمني لنهاية معضلة القرى الحدودية. والسؤال الملحّ: ماذا لو استمرّت الأزمة؟

أرقام ضخمة ومسؤوليات أكبر

الأرقام ضخمة، والمسؤوليات جسيمة. فالكاهل المالي والسياسي الملقى على عاتق حزب الله في هذه المرحلة غير بسيط.

العديد من المتضررين “صرخوا” العام الماضي قبل أن تُعالج بعض مشاكلهم، واليوم ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانتهاء العدوان، لا يزال الناس — وخصوصًا سكان الجنوب — ينتظرون مصيرهم.

إنه ملف سياسي بامتياز، يتجاوز أرقام الإيواء والتعويض، لكنه في الوقت ذاته مرتبط بها ارتباطًا وثيقًا. فالمشكلة أكبر مما يُصوَّر، والمماطلة لا تجدي نفعًا، وتقاذف المسؤوليات لن يفرح الناس في الأشهر المقبلة.

الثنائي الشيعي — حزب الله وحركة أمل — يحمّلان الدولة مسؤولية أساسية في هذا الملف، وخصوصًا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان قد شنّ هجومًا على الحكومة بشأن الإعمار، وطرح اقتراحات على رئيس الجمهورية كما كشفت المدن في وقت سابق. فهل يكون الإيواء والإعمار الجزئي حلًّا مؤقتًا؟ وكم ستدوم هذه المرحلة الانتقالية؟

عامٌ ثانٍ من الإيواء… عامٌ آخر من الانتظار

حتى اللحظة، تُظهر المعطيات أنّ الحزب ملتزم بدفع بدلات الإيواء لعامٍ إضافي، ويسعى في الوقت نفسه إلى استكمال التعويضات والبدء — ولو بخطوات محدودة — بإعادة الإعمار. وتبدو قدرته المالية كافية نسبيًا لتغطية هذه المرحلة، غير أنّ كل ذلك يبقى حلًّا مرحليًا لا يمكن فصله عن الحلّ الجوهري، وهو التسوية الدبلوماسية القادرة وحدها على إعادة سكّان الجنوب إلى قراهم. خصوصًا مع عودة الحديث عن تصعيدٍ محتمل قد يُطيح بكل هذه الجهود، ويعيد المشهد إلى نقطة الصفر. ولسان حال أبناء الشريط الحدودي يقول اليوم: عامٌ آخر من الإيواء… عامٌ آخر من البُعد عن الأرض… عامٌ آخر ونحن لا نعرف متى سنعود، ولا حتى إن كنّا سنعود، ولا بأيّ طريق ستكون العودة.

مأزق الإيواء إلى الواجهة مجدداً: الحزب يلتزم الدفع.. ولكن .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...