يترقب لبنان بحذر التقييم المتوقع أن تصدره مجموعة العمل المالي الدولية “فاتف” في تشرين الأوّل الجاري عن مدى التزامه بتفعيل امتثاله في مكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب. نتائج الامتحان الذي خضع له لبنان، وإن كانت إيجابية لناحية السعي إلى مكافحة تبييض الأموال، إلا أنها لن تخرجه من اللائحة الرمادية حاليًا ولا العام المقبل وإنما في نهاية 2027، وفي الوقت نفسه لن تجعله ينزلق إلى اللائحة السوداء. ما هي الإجراءات التي أنجزها وينجزها لبنان للخروج من اللائحة الرمادية؟
ضمن التقارير التقييمية الدورية التي تصدرها مجموعة العمل المالي “فاتف” عن أداء الدول في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تمهيدًا لتصنيفها في القوائم التي لديها، لن يخرج لبنان عن اللائحة الرمادية هذه السنة، كما أنه لن يدرج على اللائحة السوداء.
السبب يعود إلى نظامٍ ينصّ على أن البلد الذي يدرج على اللائحة الرمادية لا يمكن إخراجه منها قبل فترة ثلاث سنوات تُعطى له لتحسين وضعه في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وجلّ ما يحصل هو إصدار مجموعة العمل المالي “فاتف” في حقه تقارير دورية تقييمية كل 6 أشهر عن مدى التقدّم أو التراجع الذي أحرزه.
تقصير الدولة والقضاء
في التقييم الأخير لمجموعة العمل المالي تبيّن لها أن لبنان يعاني من نواقص استراتيجية strategic deficiencies تستدعي منها إدراجه على اللائحة الرمادية وتلك النواقص كانت مرتبطة بتقصير الدولة والقوانين التي كانت موجودة والقضاء الذي لا يصدر أحكامًا سريعة في قضايا تبييض الأموال.
اليوم، أحرز القضاء تقدّمًا في سرعة البت بالأحكام. أما في ما يتعلّق بجمعيّة مؤسسة القرض الحسن وعمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، فهو من مسؤولية وزارة الداخلية التي منحتها رخصة المباشرة بالعمل، وهي التي ستسحبها من “القرض الحسن” ولا علاقة لمصرف لبنان سوى بالتحذير كما فعل في تعميم أصدره منذ فترة من تعامل المصارف مع الجمعية وإدخال أموال في حسابها متأتية منه، كما كان يحصل في الماضي حين كان المواطنون يحصلون على دين من القرض الحسن ويودعونه في البنوك.
تدابير المرحلة المقبلة
ما هي التدابير المتوجّب على الحكومة التشدّد بها أكثر خلال العامين المقبلين للخروج من اللائحة الرمادية؟
يقول الخبير والمستشار في مكافحة الجرائم المالية ومجاز في مكافحة تبييض الأموال والعقوبات الدولية CGSS-CAMS شوقي أحوش لـ “نداء الوطن” إن “اللائحة الرمادية ليست نهاية العالم. عندما تكون هناك إرادة سياسية بالتصحيح يمكن الخروج منها، دبي وتركيا مرّتا في تلك المراحل واستطاعتا الخروج من اللائحة الرمادية. بنظري، مصرف لبنان اتخذ إجراءات تعزز مكانة لبنان وتقوّي موقفه في الخروج من اللائحة الرمادية.
فمصرف لبنان فعّل أكثر بالدرجة الأولى عملية مكافحة الرشوة والفساد في المصارف Anti-bribery and corruption، وأوجد وحدة لمكافحة الرشاوى والفساد ما يعني أنه يجب أن تزيد الإبلاغات عن أي رشوة ستحصل أو فساد حسب حركة حساب العملاء.
الخطوة الثانية جرت على مستوى مجموعة العمل الدولية هناك. ما يُسمّى القطاعات أو الأعمال والمهن غير المالية المحدّدة Designated non-financial businesses and professions والتي تمّ تفعيلها، إذ تمّ ضمّ كتاب العدل، المحامين، الكازينو، خبراء المحاسبة وشركات التأمين وهي مؤسسات مالية غير مصرفية، إلى لائحة الأفرقاء الذين يجب أن يمتثلوا في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
تلك المهن لم تكن مدرجة على لائحة الذين تفرض عليهم عقوبات. أما اليوم، يقول أحوش فـ “باتت تلك القطاعات تحت منظار السلطات الرقابية سواء لدى هيئة التحقيق الخاصة أو مصرف لبنان لترفع من إمكانياتها بالامتثال، فالجهود تعتمد على المساءلة والمحاسبة وفرض عقوبات ومن يلتزم يجب أن يشكر، ومن لم يمتثل للقانون يسدّد غرامات كما تفعل سائر المصارف المركزية في العالم لردع تبييض الأموال والفساد والتهرّب الضريبي. هناك إجراءات عدة وضعت كبداية لمشوار الخروج من اللائحة الرمادية”.
وفي هذا السياق، يأمل الخبراء خيرًا من مسألة إقصاء لبنان عن اللائحة الرمادية في العام 2027 طالما أننا نقوم بكل الإجراءات التي تتعلّق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومنها أيضًا ضبط الحدود على المعابر، وتركيب آلات سكانر التي ستضبط الرسوم الجمركية والـ TVA إذ تدخل مسألة التهريب والتهرّب الضريبي من ضمن مكافحة تبييض الأموال.
وبرأي أحوش، “الوضع متجه نحو الأفضل بالشفافية ومحاسبة كلّ ما هو مرتبط بالجرائم المالية سواء أكان فسادًا أو تهرّبًا ضريبيًا، حتى أن شركات التأمين بدأت العمل على تدريب موظفيها على كيفية مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.
يضيف: “هناك في لبنان رمال متحرّكة، ووعود بتحسّن الأوضاع ومؤتمر الجرائم المالية الذي عقد منذ أسبوع يبشر بالخير في مجال الامتثال، إذ يؤشر على أن هناك تغيّرات تحصل، ويبدو ذلك جليًّا من المشهد السياسي الذي يدلّ على أنه يمكننا مكافحة تبييض الأموال والفساد والوضع متجه نحو الأفضل في الشفافية والمحاسبة وشطبنا من اللائحة الرمادية”.
من يحمي كاتب العدل أو المحامين…
وحول خشية الذين أدرجوا ضمن القانون في مكافحة التبييض مثل كتاب العدل وكذلك المحامين أو خبراء المحاسبة… على سلامتهم من “المبيّضين” إذا ما أبلغوا هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بشكوكهم في إحدى المعاملات، متسائلين من يؤمّن لنا الحماية الشخصية؟ قال أحوش “إن القانون رقم 44/2015 هو الأساس في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ولا بدّ من تطبيقه والالتزام به، لذلك المطلوب اتخاذ القرار السياسي واعتماد مسار المساءلة والمحاسبة فمن أخطأ يجب أن ينال عقوبته”.
أما المؤسّسات المالية التي تشكّل مصدر جذب لغسل الأموال والتي أخذت مكانتها بعد الأزمة المالية وكادت تحلّ مكان المصارف، من خلال التحاويل التي تمرّ عبرها والمحافظ الإلكترونية التي طوّرتها، فإن الرقابة مسلّطة عليها أيضًا وشركة K2 integrity التي عيّنها مصرف لبنان استقدمت للمشورة ولمساعدته في ما يتعلّق بالـ “كاش إيكونومي” والإضاءة على عمليات تبييض الأموال.
ليس أمامنا في المشهد المترقب للتطوّرات السياسية والإصلاحية المطلوبة، سوى الامتثال للقوانين الإصلاحية واتخاذ القرار للحدّ من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والخروج من اللائحة الرمادية في العام 2027 واستعادة الثقة الخارجية التي لا تزال حلقتها مفقودة.
لبنان لن يخرج من اللائحة الرمادية ولن ينزلق إلى “السوداء” .




