غادر الصراع المفتعل المضخم بتعمد مكشوف حول اقتراع المغتربين مربع الخلاف التقليدي غير الغريب عن تاريخ الانقسامات الداخلية سواء ذات الطابع الطائفي او ذات الطابع السياسي، ليتوغل نحو شبهة التسبب بأزمة تأسيسية من الطرازات والأصناف المهددة باهتزاز داخلي خطير. وما كان حتى الأمس القريب يندرج في اطار الحسابات الانتخابية والتجاذب على رصيد المغتربين الثقيل المرجح لاعادة تكوين توازن سياسي جديد على وقع التطورات الزلزالية التي اصابت البلاد بين انتخاب البرلمان الحالي والبرلمان الموعود في أيار المقبل، يخشى انه صار في مرحلة متأخرة عما يحاك لمسار التغيير الطبيعي الناجم عن تسييل المتغيرات في برلمان يحاكي الدفع نحو استكمال هيكلية دولة مغايرة عن دولة ألعوبة تحت هيمنة محور الممانعة المتهالك.
مفاد الخشية من ازمة تتجاوز خلافاً او تجاذباً حول تعديل بند في قانون الانتخاب، هو النفخ من جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبطبيعة الحال بإسناد بلا حدود من شريكه في الثنائية الشيعية، في تبرير ما لا يبرر في معاندته ومكاسرته لموقف الأكثرية النيابية العابرة للاتجاهات السياسية والطوائف، بمنع “تسلطي” للتقيد بالأصول الدستورية ونظام مجلس النواب نفسه، عبر المعاندة في حجب اقتراح القانون المعجل المكرر لاسقاط البند الهجين من قانون الانتخاب بما يطلق للمغتربين حق الاقتراع المتساوي مع المقيمين.
اخطر ما في الأمر ان تستعيد البلاد في الأيام الأخيرة أياما مشؤومة تنذر بلجوء فريق “الثنائي” تكراراً إلى أنواع الضغوط التي كانت سائدة العصر المشؤوم للوصاية السورية وحقبة النزاع بين معسكري 14 آذار و8 آذار، وعلى وقع الاغتيالات، عبر ممارسات شل الدستور وتعطيل الأصول وتغليف الخلاف الانتخابي الان بغلاف المذهبة بما يرتهن الطائفة الشيعية كلها مجدداً ويضعها في مواجهة سائر المكونات الوطنية الأخرى. ذلك ان رفع الخلاف وتضخيمه وتصويره في مستوى “الابتكار” الذي يتحدث عن عزل طائفة، نادراً ما لجأ اليه فريق لبناني آخر. وحتى حين كانت الوصاية السورية الأسدية تمعن في تطويع الفئات والطوائف اللبنانية تباعاً من خلال استهداف المسيحيين او السنة او الدروز، نادراً ما ساد توصيف مماثل عن عزل، باستثناء مطالع الحرب حين نادى غلاة اليساريين وبعض الذين أخذهم الانسياق وراء السلاح الفلسطيني ودويلته على ارض لبنان إلى المناداة بعزل الكتائب.
غير ان الخطورة الراهنة في توسل تصوير الخلاف الانتخابي عملية عزل يتجاوز التبرير في أي حدود ممكنة متى تصاعدت شبهة ترجمة هذا التوصيف إلى ابتداع بدع أخرى تواكبه دستورياً ومؤسساتياً، من مثل اطلاق مفهوم منع تحرك الحكومة لتعديل قانون الانتخاب ما دام هناك قانون نافذ! سيغدو من الخطورة ان يتم التسليم بأي شكل من الأشكال لهذه البدعة كما لظاهرات التحدي بعقد جلسات تشريعية تتجاهل مشروعاً متفجراً فيما البلاد تقف عند شفا وضع مقلق ومخيف مع إسرائيل والدول المعنية بمصيره. وتالياً لن يكون ممكنا إقناع المتوجسين بهذه البدع التي يعطل عبرها الاحتكام المؤسساتي إلى البرلمان، أم المؤسسات، ومصادرة قراره، إلا بإنزال او نزول رئيس المجلس عن رأس الشجرة التي اصعد نفسه والوضع المأزوم معه إليها قبل فوات الأوان. الحكمة تقضي بالتذكير بأن ثمة أكثرية وطنية جارفة في الظروف الحالية يفترض ان تظهر بسرعة وفاعلية قدرتها على منع إعادة الإدمان على العبث بالنظام والمصير.
لئلا يؤجج “الثنائي” أزمة تأسيسية! .



