يسيرُ المحقِّقُ العدلي في قضيّةِ تفجيرِ المرفأ، طارق البيطار، في حقلِ ألغامٍ. تارةً تصبُّ الأمورُ في مصلحته، وطورًا تنقلبُ عليه. فقد أصدرت الهيئةُ الاتهاميّةُ قرارَها في ملفّ دعوى اغتصاب السلطة، المقدَّمة من المدّعي العام التمييزي السابق غسّان عويدات ضدّ البيطار، وطلبت من النيابةِ العامّةِ التمييزيّة إيداعَ صُوَرٍ عن القراراتِ والإجراءاتِ التي اتّخذها البيطار بعد عودته إلى العمل، ثم أعادت تحويل الملفّ إلى قاضي التحقيق حبيب رزق الله، وهو الأمرُ الذي قد يؤدّي ـــ على نحوٍ غير مباشر ـــ إلى تأخيرِ صدورِ القرارِ الاتهاميِّ في قضيّةِ تفجيرِ المرفأ.
ما أهمية هذا القرار؟
لهذا القرار أهميّةٌ بالغةٌ في مسار التحقيقات؛ إذ إنّ دعوى “اغتصاب السلطة” المرفوعة من عويدات ضدّ البيطار تُعيق عمل الأخير. والبتُّ في هذه الدعوى تحديدًا حاجةٌ ملحّةٌ تُساعِد على صدور القرار الاتهاميّ. فالقضاء يجب أن يحدِّد ما إذا كان البيطار قد اغتصب السلطة فعلًا أم لا. وبذلك، إمّا تُعطى شرعيّةٌ كاملة لعمله، فيصبح قرارُه الاتهاميُّ متينًا بعد وصوله إلى المجلس العدلي، أو يُسحَب الملفّ منه.
لم تنتهِ بعدُ تداعياتُ الانقلاب القضائي الذي وقع في العام 2023. فبعد عودة البيطار إلى تحقيقاته متجاهلًا كلَّ الدعاوى المرفوعة ضدّه، ادّعى على قضاةٍ كان بينهم عويدات، الذي ادّعى بدوره على البيطار بجرم “اغتصاب السلطة“. وفي نيسان الجاري، شُكِّلت هيئةٌ اتّهاميّة من ثلاثة قضاة للبتّ في الاستئناف المقدَّم من عويدات، حين طلب منه قاضي التحقيق حبيب رزق الله تصحيح الادّعاء. اجتمعت الهيئةُ الاتّهاميّة بعد خمسة أشهر من تشكيلها، وطلبت في قرارها “إعادةَ الأوراق إلى النائب العام التمييزي، والطلبَ منه إيداعَ قاضي التحقيق صُوَرًا عن القرارات والإجراءات المتّخذة من المحقّق العدلي“.
ووفق مصدرٍ قضائيّ لـ”المدن”، فقد استندت الهيئةُ الاتّهاميّة في قرارها إلى المادة 62 من أصول المحاكمات الجزائية، في فقرتها الرابعة، التي جاء فيها: “على النائب العام أن يُشفِع ادّعاءه بالأوراق والمحاضر والمستندات التي تؤيّده“.
وعمليًّا، سيؤدّي هذا القرار إلى تمديد مفعول دعوى “اغتصاب السلطة”، على أن يستغرق البتُّ فيها أشهرًا إضافيّة، وهو ما يعني احتمالَ تأخير صدور القرار الاتهاميّ. فالهيئة الاتّهاميّة تطلب من المدّعي العام التمييزي جمال الحجّار تزويدَ الملفّ بصُوَرٍ عن مطالعة البيطار القانونيّة، ثم إعادةَ الملفّ مرّةً أخرى إلى قاضي التحقيق حبيب رزق الله لمتابعة هذه الدعوى.
السيناريوهات المطروحة
تشيرُ مصادرُ قضائيّةٌ لـِ”المدن” إلى أنَّ كلَّ الاحتمالاتِ مفتوحةٌ. ومن الممكن أن يتجاوب الحجّار مع هذا القرار، ويزوّد رزق الله بالمستندات المطلوبة، ثمّ يتابع رزق الله التحقيقَ، ويُمكنه أن يحدِّد جلسةَ استجوابٍ للبيطار، تمهيدًا لإصدارِ قرارِه الظنّي في هذه الدعوى، والقولِ ما إذا كان البيطار قد اغتصب السلطة أم لا. كما يُمكنُ رزقَ الله ألّا يحدِّد جلسةَ استجوابٍ للبيطار، وبالتالي تُجمَّد هذه الدعوى.
مع العلم أنّ تجميدَ هذه الدعوى، إن حصل، ستكون له تداعياتٌ سلبيّةٌ على القرار الاتهاميّ في المجلس العدلي، وقد يدفع البيطار إلى تأجيل إصدارِ قرارِه الاتهاميّ لفترةٍ أطول، ريثما يتّضح مصيرُ هذه الدعوى. وفي المقلب الآخر، من الممكن ألّا يتجاوب الحجّار، وفي هذه الحالة أيضًا يُحوَّل الملفّ إلى رزق الله، ويتأخّر البتُّ في هذه الدعوى لفترةٍ غير معروفة.
كان متوقَّعًا أن يُصدِر البيطار قرارَه الاتهاميّ خلال الأشهر المقبلة. صحيح أنّ قرارَ الهيئةِ الاتّهاميّة لا يمنع تحرُّك البيطار، لكنّه يؤدّي إلى تمديد دعوى “اغتصاب السلطة” التي تُعيق عمله. كما أنّ التأخّرَ في البتّ بهذه الدعوى يعني أنّ الإجراءاتِ التي يتّخذها البيطار تبقى ــ وإن كان ذلك من غير قصد ــ في دائرةِ الشبهة والالتباس.


