يستقبل الرئيس نواف سلام زواره متجاوزًا التكليف والبروتوكول. شخصية فيها من الملامح ما يكفي لطرح الكثير من الأسئلة، كونها تجمع الجدية والساركازم والرصانة والعمق في آن. يمارس السياسة بخلفيته القانونية، لكنه يستعمل الكثير من الإمكانات التي اكتسبها من تاريخٍ قاده في مراحل متتالية، من إرث البكوية البيروتية مرورًا بشغف الحالة الثورية، وصولًا إلى تبوّئه موقع سفير لبنان في عاصمة القرار الأولى واشنطن، وليس انتهاءً بمهمّة المحكمة الدولية، حتى يحطّ أخيرًا في السراي مع المهمّة الأصعب.
نواف سلام مستمع جيّد ومدقق لغوي يعرف كيف يصطاد الكلمات التي تعزف على جوهر مهمّته التي يريدها تحقيقًا لهدف تظهير وحماية المصلحة العامة للبنان واللبنانيين. مدقق لغوي لا يصدر بيانًا أو موقفًا إلا بعد أن يبصم بقلمه على المضمون، ويصحّح وينقح، ولا يؤلّف جملة متكاملة يدلي بها إلا بعد أن يختار بازل الكلمات بعناية.
هو رجل في السراي من دون بهرجة. المساعدون والموظفون أصدقاء لا يتردّد في خدمتهم بنفسه. إنه من طباع رجل يحب أن يشرف على إنجاز كلّ شيء بنفسه، لا يتعامل مع منصبه على أنه سلطة بل على أنه مسؤولية. من يجلس أمامه يشعر بأنه أمام عقلٍ يزن الأمور بالمنطق، لا بالعاطفة أو المزايدة، ويقرأ التفاصيل كما لو كانت نصًّا قانونيًا يحتاج إلى تفسيرٍ دقيق قبل إصدار الحكم.
كلام نواف سلام المنتقى بعناية عن الملفات الصعبة، ومنها ملف السلاح والإصلاح، يؤشر إلى مدى التحلّي بمسؤولية الكلمة والموقف. في زمنٍ يكثر فيه الكلام وتضيع فيه المعايير، يأتي سلام ليعيد الاعتبار إلى جدّية الموقف، فلا يطلق وعدًا لا يستطيع تنفيذه، ولا يغامر بعبارةٍ قد تُفهم على غير مقصدها.
في السراي اليوم رئيس حكومة يذكّر اللبنانيين بأن السياسة يمكن أن تُمارس بوقار، وأن الدولة يمكن أن تكون هيبةً من دون أن تتحول إلى صخب وصدام. يدرك نواف سلام أن طريقه طويل وصعب، لكن مع ذلك يعطي مؤشرًا على أن التغيير قادم، وهذا وحده كاف لمتابعة رحلة الإنقاذ.
في السراي رئيس حكومة .





