تزداد حوادث السير في لبنان، ويزداد معها حصدُ أرواح المواطنين، إذ أصبحت الزحمة والسرعة خبزاً يومياً تقتات منه الحافلات والسيّارات والدرّاجات النارية غيرَ آبهةٍ بقوانين السير، فيما يلعب المشاة دورَ شاهد العيان أو دور الضحية أمام هذه المخاطر. وقد تحوّلت شوارع العاصمة والشمال بخاصّة إلى مرتعٍ للحوادث المتنقّلة التي تحصد عشرات الأبرياء ومئات الجرحى، ما يضع السلطات المعنيّة أمام تحدٍ كبير يستوجب وضع حدّ لهذا النزيف البشري والمادي.
أرقام النصف الأول من 2025 مرعبة
تشير إحصاءات القوى الأمنية إلى أنّ حوادث السير في العام 2023 بلغت 2,726 حادثًا، وتراجعت في العام 2024 إلى 2,365 حادثًا، فيما سجّل النصف الأول من عام 2025 وحده 1,511 حادثًا، في مؤشر يثير مخاوف جدّية من أن يتجاوز هذا العام الأرقام المسجّلة في السنتين السابقتين إذا ما استمرّت الحوادث بالوتيرة نفسها.
وبحسب الإحصاءات نفسها، سجّل النصف الأول من العام 2025 نحو 6,000 إصابة و207 ضحايا، مقارنةً بـ5,400 إصابة و154 ضحية في الفترة نفسها من العام 2024، ما يعني ارتفاعًا بنسبة 34% في عدد الضحايا و11% في عدد الإصابات. هذه الأرقام الصادمة تؤكد أنّ الطرقات اللبنانية تشهد تنامياً مضطرداً في الحوادث، لم تُجدِ معه التوجيهات والتحذيرات الصادرة عن الجمعيات والجهات المعنية بالسلامة المرورية، لتصبح أرواح المواطنين معرّضة فللخطر ي الطرقات بأبخس الأثمان.
وبالعودة إلى التفاصيل الشهرية، يبدو المشهد أكثر مأساوية: فقد سجّل شهر آذار 19 ضحية، وارتفع العدد إلى 25 في نيسان، ثم إلى 39 في أيار. ومع ارتفاع حرارة الصيف، ارتفع عدد الضحايا في حزيران إلى 40، قبل أن يبلغ الذروة في آب بـ60 قتيلًا، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف العدد المسجَّل في آذار، خلال فترة زمنية لا تتعدّى أربعة أشهر.
الدراجات النارية تفاقم الأزمة
من مشهد المَسِيرات المئوية للدراجات النارية إلى مشاهد الحركات البهلوانية، ومن صخب أصواتها المفتعلة إلى دخان عوادمها الملوثة، تطالعك، لا سيما في الأحياء الشعبية عشرات الدراجات النارية تتلوّى بين السيارات والمارّة. ولا تخلو نظرات سائقيها من لوم موجه للآخرين وألفاظ نابية.
صحيح أنّ الحوادث المرورية شاملة لكل أنواع المركبات والآليات والدراجات، لكنّ الدراجات النارية اليوم تتصدّر المشهد. فهذه الوسيلة، التي يفترض أن تكون حلًّا عمليًا وسريعًا للتنقّل والتوفير على ذوي الدخل المحدود، تحوّلت إلى مصدر رئيسي للحوادث والمخالفات: غياب تراخيص التسجيل ورخص القيادة، والسير عكس السير وعدم الالتزام بوضع الخوذ الحديدية وغيرها من شروط السلامة العامّة وتجاوز الإشارات.
قانون السير الجديد
وتؤكد جمعية “اليازا” أن لبنان يشهد كلّ يوم سقوط قتيلٍ نتيجة حوادث الدراجات النارية، ما يجعل هذه الظاهرة مصدر قلق متواصل للسلطات والمواطنين على حد سواء. لذلك جاء قانون السير الجديد ليساوي من حيث المسؤولية بين كل من سائقي السيارات والدراجات النارية في أيّ حادثٍ يقع. وعلى الرغم من أهمية هذا القانون إلّا أن العبرة في التطبيق لاسيّما أنّ الكثير من السائقين لا يأبهون للكلام المكتوب إن لم يستتبع بالعمل. وفي هذا السياق، يؤكّد رئيس جمعية “اليازا” زياد عقل أنّ العام 2025 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في حوادث الدراجات النارية، ليس فقط مع السيارات، بل حتى بين الدراجات نفسها. وفي صورةٍ تختصر حجم الفوضى التي تتسبب بها يقول عقل: “تمشي في شوارع بيروت فتجد الدراجات تقفز عن يمينك وعن شمالك”.
ويدعو عبر “المدن” إلى التحرك السريع لوقف هذا الانفلات حفاظًا على سلامة السائقين أنفسهم قبل غيرهم. ويقرّ بأن المشكلة متشعبة لكنه يؤكد أنّ هناك إمكانية حقيقية لتنظيم هذا القطاع شرط وجود قرار سياسي.
ويضيف أنّ موضوع السلامة المرورية يتطلب جهدًا من عدد كبير من المؤسسات كما يتطلّب التنسيق بين الوزارات والقطاع العام والقطاع الخاص.
مع أكثر من 200 ضحية خلال النصف الأول من العام الحالي و6,000 جريح، الرقم يتحدث بوضوح: كل مخالفة أيّاً يكن نوعها قد لا تودي بحياة صاحبها وحسب بل قد تنهي حياة الآخرين. ويبقى التحدي اليوم أمام السلطات والمواطنين على حد سواء: احترام القانون والتشدّد في تطبيقه، تعزيز التوعية وتحمل المسؤولية قبل أن تبلغ الأمور حدّاً كارثياً تصبح فيه الحلول أكثر تعقيداً.