“صفعات” براك: كل مرونة لبنان غير كافية بعد

لم يُظهر لبنان أخيراً مرونة في الاستعداد للتفاوض ردّاً على التهديدات بالتصعيد الاسرائيلي المحتمل فحسب، وكذلك المرونة في إبداء استعداد لتوسيع لجنة رقابة وقف الأعمال العدائية في الجنوب، بل أيضاً في عناصر اخرى

يصفع الموفد الاميركي توم براك المسؤولين الكبار في لبنان بقوة مرة بعد اخرى ولو انه في معرض تصريحاته يثني على شخص كل منهم ولكنه عمليا يدينهم باعتبارهم قادة لبنان راهنا. قبل ساعات معدودة من خطاب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون امام الجمعية العمومية في نيويورك في ايلول الماضي ادلى براك بحديث تلفزيوني قال فيه ان قادة لبنان لا يمكن الوثوق بهم وان اقوالهم غير افعالهم . في مداخلته في حوار المنامة قبل يومين وبعد ايام قليلة على مغادرة مورغان اورتاغوس لبنان ولقائها المسؤولين مع بروز استعداد لبنان للتفاوض مع اسرائيل، وصف لبنان بالدولة الفاشلة معددا مبررات ارتكازه الى هذه النتيجة. والواقع ان تصريحات براك لم تكن دوما موفقة وارتكب “فاولات” اثارت نقزة المسؤولين اللبنانيين من جهة وحتى اللبنانيين المؤثرين المحيطين بادارة الرئيس دونالد ترامب من جهة اخرى مثيرا ضجة اضطرته الى الصمت اعلاميا لبعض الوقت من اجل تهدئة الامور وتصحيحها بعض الشيء لا سيما حين بشر بان لبنان قد يعود لبلاد الشام اذا فشل. ولكن في نهاية الامر، وايا يكن تقويم اهل السياسة في لبنان، فان اسلوبه ” الديبلوماسي” يشابه الى حد كبير اسلوب الرئيس الاميركي فضلا عن ان لتقويمه اثرا حكما لدى هذا الاخير وهو يعكس الأجواء الحقيقية لواشنطن وسياستها وكذلك يعكس الاجواء الحقيقية لاسرائيل.

 

لم يظهر لبنان اخيرا مرونة في الاستعداد للتفاوض ردا على التهديدات بالتصعيد الاسرائيلي المحتمل فحسب وكذلك المرونة في ابداء استعداد لتوسيع لجنة رقابة وقف الاعمال العدائية في الجنوب ، بل ايضا في عناصر اخرى . اذ وفق بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية على منصة ” إكس ” نقل عن الرئيس عون قوله ” لسنا من دعاة حروب لأننا جربناها وتعلمنا منها العبر، لذلك نريد إعادة الاستقرار إلى لبنان بدءاً من جنوبه، وأكدتُ أن خيار التفاوض هو من أجل استرجاع أرضنا المحتلة، وإعادة الأسرى، وتحقيق الانسحاب الكامل من التلال، لكن هذا الخيار لم يقابله الطرف الآخر إلا بمزيد من الاعتداءات على لبنان، في الجنوب والبقاع، وارتفاع منسوب التصعيد”. وهذا العنصر متقدم ازاء اصرار رسمي لبناني سابق حتى قبل اسبوع واحد من كل الاجواء التي احتدمت اخيرا على ان لبنان متمسك باتفاق وقف الاعمال العدائية والمطلوب تنفيذه بحيث ان التفاوض المفترض هو على الحدود والهدنة او اي وضع جديد يتعدى ذلك مثل انهاء الحرب او اتفاق عدم اعتداء بين لبنان واسرائيل لان وقف الاعمال العدائية والانسحاب ليسا من المواضيع للتفاوض. يظهر لبنان على الاقل استعدادا للخروج من الطريق المسدود واقفالها على مبررات اسرائيل في استمرار اعتداءاتها .

 

والبعض يرى ان بعض المرونة الكلامية الشكلية من جانب الامين العام ل” حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في اطلالاته الاخيرة تندرج من ضمن اطار عدم تقديم الذرائع لتصعيد اسرائيل من اجل عدم تحمل مسؤولية استدراجها الى توسيع اعتداءاتها اقله امام بيئته واللبنانيين كذلك. اذ ان كلام الموفد الاميركي يعكس صدى داخليا كبيرا يحمل الدولة مسؤولية عدم التجرؤ على المضي قدما في القرار الذي اتخذته حول حصرية السلاح وتراجع اطمئنان اللبنانيين بان الدولة الناشئة قادرة على حماية اللبنانيين من حرب جديدة علما ان مراقبين كثر يعتبرون ان ثمة قساوة لافتة في موقف الاميركيين الذين يحملون الدولة مسؤولية اتخاذ القرارات المناسبة ازاء حصرية السلاح وتاليا توفير الضمانات لاسرائيل في وقت يتم تجاهل امرين : الاول عدم خروج لبنان بعد على نحو نهائي من التأثير الايراني وقد تشددت ايران ازاء الامساك بورقة الحزب اكثر من السابق بعد فقدانها الاستراتيجي لسوريا وما تواجهه من تحديات كبيرة لنظامها في الداخل الايراني بعد الحرب مع اسرائيل في حزيران الماضي. والامر الاخر هو التحدي المتمثل بقدرة الولايات المتحدة على قيادة نزع سلاح حركة ” حماس” في غزة علما ان هذه الاخيرة وافقت كما الحزب على نزع سلاحها والتخلي عن حكم غزة، ولكن التحديات كبيرة امام واشنطن ودول المنطقة التي شاركت في رعاية انهاء الحرب على غزة في تنفيذ هذا البند من الاتفاق بسهولة ما يوفر للبنان اسبابا منطقية على الاقل في عدم قدرته على السير سريعا بقرار حصرية السلاح.

 

مع الاعلان عن اجتماع في المصيلح لبحث موضوع اعادة الاعمار في الجنوب، يشكل الاستهداف الاسرائيلي الاخير جرعة تذكيرية بان اعادة الاعمار هو موضوع ممنوع في الوقت الراهن ويتعذر ان يكون على الطاولة قبل انهاء البند الامني مع اسرائيل .

“صفعات” براك: كل مرونة لبنان غير كافية بعد .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...