ذاك الانقلاب الآتي… إحذروه!

ما يجري يُنذر بأمر انقلابي تحت ستار طروحات مشروعة، وأي تهاون من  غالبية كبيرة في المجلس والحكومة، سيمكن القلة المعروفة من فرملة عقارب الساعة وتعطيلها… هو خطر يوازي تعطيل حصرية السلاح وليس أقل من ذلك

عند مشارف أسبوع تنشدّ فيه أنظار اللبنانيين إلى الأمم المتحدة، حيث يتجمع زعماء العالم في المحطة الأممية السنوية الأبرز، كما إلى إحياء الذكرى الأولى لاغتيال السيد حسن نصر الله، قد لا يجد كثيرون توقيتاً ملائماً للتوقف الآن أمام معالم خطر يلوح بإطاحة الانتخابات النيابية المقبلة. غير أن واقع الحال بما تستبطنه المؤشرات المتصلة بهذا الاستحقاق ينذر بحتمية التحفز لمواجهة ما يُرسم من حصار سياسي متعمد لفرض واقع يمرر معادلة سياسية معاكسة لكل مفاعيل عملية حصرية السلاح بيد الدولة وإبقاء كل القديم على قدمه، وإما إطاحة الانتخابات برمّتها. خطر نجاح هذه المحاولة المتقدمة جداً لفرض المعادلة الخطرة يستعيد في مكان ما تاريخ التجارب الأشد شؤماً التي تعاقبت على لبنان بعد الطائف، حين كانت الاستحقاقات الانتخابية وقوانينها تتحول إما إلى مواسم استباحات مفتوحة للوصي السوري آنذاك بحيث يفرض بالترهيب والاحتلال تركيبات المؤسسات التي تغدو قيد إرادته ووصايته، وإما نتيجة تسويات مختلة بميزان قوى مختل لمصلحة الممانعين دوماً آنذاك. ولعل النسيان لم يغش الذاكرة أيضاً أنه غداة فتنة 7 أيار الدامية التي ارتكبها “حزب الله” في بيروت الغربية عام 2008، أعيد فرض ما سُمي قانون غازي كنعان المشؤوم بقوة الاختلال وحمل المسيحيين قسراً على قبوله. في كل الظروف تلك وحتى حين كانت التيارات السيادية تحصد بعض التمثيل المعقول وتقبل به، كانت قوانين الانتخاب مطية انحراف سيادي وموضوعي لا يُعتدّ معها بتمثيل حر حقيقي، وتمادى الأمر إلى حين ظهور ما أثار آنذاك الغرابة والدهشة في ما سُمي “القانون الأرثوذكسي” الذي يعد ذروة الاحتكام التمثيلي إلى البعد الطائفي والمذهبي الصرف.

 

والحال أن النظرة الآن إلى ذاك القانون الذي ترك آثاره ولا يزال عند كل موجة تحريك للنقاش في قوانين الانتخابات، تدفع إلى الاعتراف بتجرد أنه شكل رافعة مهمة كان لا بد منها لإحداث صدمة كبيرة في الوسط السياسي والمدني عموماً، حتى لو كانت طموحات الوصول إلى الدولة العلمانية قد تصدّعت بعنف أمام تشريع خطير يكرّس الطائفية في أقصى تجلياتها. ذاك التشريع “الأرثوذكسي” كان ركيزة أساسية جعلت التيارات المسيحية الأساسية تنجح في تكريس الصيغة الراهنة منذ عام 2018 للانتخابات المستوية على قاعدة نسبية، أتاحت بحق للمرة الأولى بعد عصر الوصاية ومن ثم وراثة الوصاية على يد الممانعين، تحقيق أفضل وأوسع تمثيل للمسيحيين، برغم شوائب كبيرة جداً في القانون الانتخابي النافذ.

 

بلوغاً إلى اللحظة، ترانا أمام ما يُخشى أن يشكل أخطر معادلة ابتزاز يوضع أمامها كل من رئيسي الجمهورية والحكومة وسائر التيارات السياسية الدافعة نحو انتخابات تُطلق عبرها حرية الاقتراع للمغتربين لجميع النواب وعدم تقنينهم بانتخاب ستة نواب فقط، عملاً بتلك الفقرة البدعة التي ارتُكبت في الصياغة الأولى للقانون. الواضح تماماً أن الغلوّ المضخّم الذي ذهبت إليه “عبقرية” اشتراط قانون يلغي الطائفية السياسية دفعة واحدة في مقابل الإبقاء على مقاعد اغترابية ستة يهدف إلى فرض معادلة إلغاء كل التصويت الاغترابي هذه المرة لمنع تسونامي انتخابية لمصلحة التيارات السيادية، وإلا إطاحة الانتخابات التي توازي إطاحة الدولة كلها. ما يجري ينذر بأمر انقلابي تحت ستار طروحات مشروعة، وأي تهاون من غالبية كبيرة في المجلس والحكومة، سيمكّن القلة المعروفة من فرملة عقارب الساعة وتعطيلها .. هو خطر يوازي تعطيل حصرية السلاح وليس أقل من ذلك.

Follow
Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...