لم تعلّق واشنطن في شكل مباشر على العرض الذي قدّمه قائد الجيش رودولف هيكل في مجلس الوزراء حول المهمّات التي تمّ تنفيذها خلال الشهر الأوّل من خطّة سحب السلاح. ولكنّ الدوائر المعنيّة في الإدارة الأميركية تتابع هذه العمليّة يوماً بيوم، وهي تعرف تالياً ما يقوم به الجيش، لا بل تشرف على تطبيق الخطّة عبر لجنة الميكانيزم، ومن خلال المتابعة التي تجريها الموفدة مورغان أورتاغوس.
وكان الجيش وعد مبدئيّاً بالانتهاء من الجزء الأول من الخطّة المتعلّق بمنطقة جنوب الليطاني خلال ثلاثة أشهر، أي في أوائل شهر كانون الأوّل المقبل. وفي العرض الذي قدّمه العماد هيكل أمام الحكومة، حسب المعلومات التي سُرّبت إلى الإعلام، أنّ الجيش نفّذ 4200 مهمّة في جنوب الليطاني خلال شهر أيلول، وهو رقم يتجاوز مجموع المهمّات التي نُفِّذت في الأشهر السابقة، والتي اقتصرت على 1800 مهمّة. كذلك نفّذ ما لا يقلّ عن 39 مهمّة بطلب من لجنة الميكانيزم، وأغلق 11 نقطة عبور من جنوب الليطاني إلى شماله، كما أغلق 7 أنفاق تابعة لـ”الحزب”، وفجّر عدداً كبيراً من الذخائر. ولكن العرض تضمّن أيضاً الصعوبات التي تواجهها الخطّة، ومنها عدم تجاوب “الحزب” في الكشف عن مخابئ السلاح، واكتفاء الجيش بإقفال مداخل الأنفاق وليس بتدميرها.
وقد وُصف ما تمّ إنجازه بأنّه جيّد من الناحية النظريّة. ولكنّ المهمّات المنفّذة لا تقاس بالعدد، بل بالنوعيّة. وإتمام المهمّة يعني عدم بقاء أيّ سلاح أو مخابئ والسيطرة التامّة على الأرض. وإذا كانت منطقة جنوب الليطاني ستحتاج إلى ثلاثة أشهر، وهي الأسهل مبدئيّاً، نظراً إلى أن الجيش يعمل فيها منذ اتّفاق وقف النار قبل أقلّ من عام وأنّ المناطق المحاذية للحدود مدمّرة، فكم ستحتاج المناطق الأخرى، مثل البقاع مثلا وهو الذي يحتوي على مخازن السلاح النوعي والصواريخ، أو الضاحية حيث الكثافة السكانية واكتظاظ البناء يجعلان عملية التفتيش عن السلاح شبه مستحيلة؟
تركّز واشنطن الآن جهودها على إرساء اتّفاق لوقف الحرب في غزّة، كما تعمل على الملفّ السوري الذي يتقدّم، ولو ببطء. لذلك، هي ستعطي لبنان فترة سماح إضافية تمتدّ ربّما إلى نهاية العام الحالي، للتأكّد ممّا إذا كانت خطّة حصريّة السلاح قد نُفّذت في شكل جيّد جنوب الليطاني، مع أنّ الأجواء من بعض المصادر في العاصمة الأميركية توحي بأنّ الإدارة الأميركية غير راضية عن المماطلة التي ظهرت أخيراً في عدم تحديد مهلة لتنفيذ عملية سحب السلاح، وهي تعرف أنّ الخطّة لن تنفَّذ في شكل تلقائي، ما لم تطرأ عناصر ضاغطة.
ومع أنّ الكلام الأخير للموفد توم برّاك أوحى بسحب يد الولايات المتّحدة من الملفّ اللبناني، لأنّ الحكومة “لا تفعل شيئاً غير الكلام”، فهناك بعض الأصوات التي تدعو إلى تفهّم الوضع، وإعطاء لبنان فرصة أخيرة. ويعتبر أصحاب هذا التوجّه أنّ المساندة الأميركية يجب أن تستمر، ولو بالحدّ الأدنى، لأنّ لبنان لن يمكنه القيام بالمهمّة لوحده.
وبعد غزّة، تتّجه الأنظار إلى لبنان لمعرفة ما إذا كان سيلحق بركب السلام، أم سيكون عرضة لحرب جديدة تجرّه إلى السلام وفق الشروط الإسرائيلية. ويبدو تحديد الخيارات في هذا الشأن في يد “حزب الله”. فإذا وافق على تسليم السلاح، فإنّه يجنّب لبنان المزيد من الخراب. أمّا إذا تشبّث بموقفه، فإنّ إسرائيل لن تتوانى عن توجيه ضربات موجعة أخيرة، تجبر “الحزب” على الاستسلام، كما حصل مع حركة “حماس”.
واستناداً إلى مصادر في واشنطن، فإنّ الأشهر المقبلة حتّى نهاية العام ستشهد ممارسة ضغوط قويّة على لبنان، دوليّاً وعربيّاً، من أجل السير في قرار حصريّة السلاح وتطبيقه تطبيقاً فعليّاً ونهائيّاً. وستعطى الحكومة مهلة جديدة لتغيير الأداء. ولكنّ المشكلة أنّ القرار ليس في يدها، بل في يد “الحزب”، الذي سيكون عليه أن يخرج سريعاً من سياسة “الصبر” وانتظار المتغيّرات، إلى سياسة اتّخاذ قرار تاريخي. فالصبر هذه المرّة لن يفيده، لأنّ من سيتّخذ القرار هو إسرائيل لإنهاء حالة “الحزب” وسلاحه.
خاص- واشنطن تعطي لبنان فترة سماح أخيرة .




