خاص- الحزب لا يعارض التفاوض…إذا كان طرفاً فاعلاً فيه

ليس غريباً في السياسة الدوليّة أن تُعقد الصفقات بين الأعداء، وأن تعلو المصالح على الثوابت، وأن يُكلّف الطرف القويّ بإدارة الطرف الضعيف، وأن تتغيّر موازين اللعبة. فعلى هذه الأسس، كانت فضيحة “إيران غيت” أو “إيران كونترا” في الثمانينات، حيث باعت الولايات المتّحدة إيران أسلحة عن طريق وسيط إسرائيلي، وموّلت ثوار “الكونترا” في نيكاراغوا. وهكذا ساند الأميركيون المجاهدين الأفغان الذين كانوا يحاربون الاتّحاد السوفياتي، والذين ما لبثوا أن تحوّلوا إلى حركة “طالبان”، التي أصبحت في وقت من الأوقات العدوّ الأوّل للولايات المتّحدة، فأطاحوها إثر هجمات 11 أيلول، ليعودوا إلى عقد اتّفاق معها في العام 2020 وتسليمها الحكم من جديد.

وفي سوريا اليوم، أليس مثيراً للاستغراب أن تُكلّف واشنطن من كان مصنّفاً إرهابياً، وزعيم “جبهة النصرة” أو “هيئة تحرير الشام” أبو محمّد الجولاني، وهو الرئيس السوري حاليّاً أحمد الشرع، بمحاربة الإرهاب؟ وها هو الرئيس دونالد ترامب يجتمع به في البيت الأبيض، ويبحث معه جملة قضايا، منها انضمام دمشق إلى التحالف لمحاربة الإرهاب.

أمّا بالنسبة إلى لبنان، فإنّ “حزب الله” سبق له أن فاوض الإسرائيليين في شكل غير مباشر، عندما تمّ الاتّفاق على ترسيم الحدود البحرية برعاية رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في تشرين الأوّل من العام 2022. وكاد أن يعقد صفقة أخرى حول الحدود البرّية بوساطة آموس هوكشتاين، لولا اندلاع حرب غزّة، ثمّ الحرب على لبنان.

ومع تصاعد الحديث اليوم عن تفاوض مع إسرائيل بموافقة رسميّة لبنانية، خرج “الحزب” بكتابه الموجّه إلى رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة، والذي رفض فيه “التورط والانزلاق إلى أفخاخ تفاوضية”. فإذا كان “الحزب” يعني ما يقوله، أي أنّه يرفض المفاوضات في المطلق، فالبديل المعروف والمعلن هو الحرب وتصعيدها وصولاً إلى قصف الضاحية الجنوبية لبيروت من جديد. أمّا إذا لم يكن يقصد حرفيّاً ما أعلنه، فهذا مؤشّر إلى رفع السقف بهدف التفاوض، وإفهام المعنيين أنّه هو الطرف الذي سيفاوض ويقرّر، إذا ما عُقدت مفاوضات لبحث الترتيبات الأمنية بين لبنان وإسرائيل.

ويدرك “الحزب” حجم الضغوط الهائلة التي تمارس على لبنان من أجل سحب السلاح وإقفال طرق التمويل التي تصل من إيران، والتي قدّرتها واشنطن بمليار دولار منذ بداية هذا العام، والمترافقة مع رفع وتيرة التهديدات الإسرائيلية والتقارير التي تتحدّث عن أنّ “الحزب” يعيد بناء نفسه.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يتحمّل “الحزب” من جديد عودة الغارات المدمّرة إلى الضاحية، وتهجير السكّان من منازلهم، سواء في بيروت أو في الجنوب، كما حصل العام الماضي، وهل لدى قاعدته القدرة على تحمّل ذلك؟ ومقابل ماذا؟

يرى كثيرون أنّ تجربة غزّة ماثلة في أذهان “الحزب”. فمعاندة “حماس” لم تؤدِّ سوى إلى تسعير الضربات، قبل أن تعود الحركة وتقبل باتّفاق وقف النار الأخير، وما ينصّ عليه من نزع السلاح، وتسلّم قوّة دولية الأمن في القطاع. وإذا عاند “الحزب” إلى ما بعد المهلة المفترضة نهاية العام، فإنّ لهيب الحرب الجديدة آتٍ بلا أدنى شكّ. وسيتمّ ذلك بموافقة أميركية بهدف إخضاع “الحزب”، وجعله يقبل بالشروط الإسرائيلية والأميركية، وعلى رأسها نزع السلاح.

وبما أنّ هذا المسار لا مفرّ منه، يبحث “الحزب” جدّيّاً الدخول في مفاوضات، على عكس ما أعلنه في كتابه الأخير. ولكنّه يريد أن يكون طرفاً فاعلاً في عمليّة التفاوض، مستفيداً من “ضعف الدولة وفشلها في عمليّة حصر السلاح”، ليقول إنّه الطرف القويّ، وإنّ التفاوض يجب أن يكون معه.

ولكن، هل هذا السيناريو قابل للتحقّق؟

إستناداً إلى الجوّ السائد حاليّاً لدى الإدارة الأميركية، يبدو التشدّد سيّد الموقف. فواشنطن تريد الانتهاء من “حزب الله” وسلاحه ومن كلّ المحور الإيراني. وإسرائيل أيضاً تعمل في هذا الاتّجاه. وهناك قوّة صاعدة الآن، هي سوريا الشرع، التي تشبك تحالفات دوليّة وإقليمية من الولايات المتّحدة إلى السعودية وتركيا. ويمكن لهذه القوّة الصاعدة أن تلعب دوراً كبيراً في مواجهة الدور الإيراني.

هذا هو الستاتيكو الآن. ولكن “حزب الله” ربّما ما زال يعتقد أنّ هذا الستاتيكو قد يتبدّل إذا ما اتّبع سياسة الصبر وكسب الوقت. فهو يريد على الأقلّ أن يحفظ موقعاً قويّاً له في التركيبة اللبنانية الداخلية، بعدما تيقّن أنّ دوره الإقليمي قد انتهى.

 

خاص- الحزب لا يعارض التفاوض…إذا كان طرفاً فاعلاً فيه .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...