قد نكون اليوم أمام جلسة تشريعية عاصفة، بعدما تقرر أن تنعقد هذه الجلسة من دون إدراج قانون اقتراع المغتربين على جدول أعمالها، بل بقي في مساره داخل اللجنة الفرعية المكلفة دراسة قوانين الانتخابات. وكانت قوى سياسية طالبت بإدراجه على جدول أعمال الجلسات التشريعية للنظر في التعديلات المقترحة، فيما ورفضت قوى أخرى أخرى، ولم يسِر به رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وعلى الرغم من تأكيد مختلف الأفرقاء والكتل رفض أي تأجيل للاستحقاق الانتخابي، فقد نكون أمام معضلة حقيقية بسبب الانقسام العمودي الحاصل، ما يطرح احتمال تأجيل الانتخابات، إذا لم يتم التوصل إلى “حل سياسي يؤدي إلى تسهيل عملية إجراء الانتخابات”، وفق ما يدعو أمين سر كتلة اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن.
وفي حديث إلى “المدن”، يحذر أبو الحسن من أن المأزق يتفاقم، معيدًا ذلك إلى أنه “لا إمكان لدى للحكومة لإصدار قرار حول توزيع المقاعد الستة المخصصة للاغتراب، وبالتالي هذا يعيق إجراء الانتخابات في موعدها. كما لا إمكان في الوقت الحالي لإدراج اقتراح القانون على جدول الأعمال، في الوقت الذي يعلن بعض القوى والكتل السياسية تعليق مشاركتها في اللجنة الفرعية.
ويؤكد أبو الحسن أن الكتلة مع تعديل قانون الانتخاب في ما يتعلق بالمادة 112، ما يتيح للمنتشرين التصويت للمرشحين على المقاعد الـ 128 في الدوائر الـ 15 في لبنان، ولكن هذا الموض.ع لن يكون مدرجًا على جدول أعمال الجلسة“.
ويشدّد أبو الحسن على الرفض القاطع لتأجيل الانتخابات، ووجوب احترام المواعيد الدستورية وإجراء الاستحقاقات في مواعيدها.
الجدير بالذكر أن المادة 112 من قانون الانتخاب 44/2017 تنصّ على أن “المقاعد المخصصة في مجلس النواب لغير المقيمين هي ستة، تحدّد بالتساوي ما بين المسيحيين والمسلمين وبالتساوي بين القارات الست، على أن يصبح عدد أعضاء المجلس 134 نائبًا في الدورة الانتخابية التي سوف تلي الدورة الأولى التي ستجري وفق هذا القانون”.
الى ذلك، أنجز الاستحقاق الانتخابي في العام 2018 وفق القانون رقم 44/2017، ما يعني أن المقاعد الستة المخصّصة لغير المقيمين كانت يجب أن تضاف في الدورة السابقة من الانتخابات. ولكن أدرج مجلس النواب تعديلات عدّة على هذا القانون في العام 2021، وتمّ تعليق العمل بالمادتين 112 و122 لمرة واحدة فقط.
أما المادة 122 من القانون، فتنصّ على أن “تُضاف ستة مقاعد لغير المقيمين إلى عدد أعضاء مجلس النواب ليصبح 134 عضواً في الدورة الانتخابية التي سوف تلي الدورة الانتخابية الأولى التي ستجري وفق هذا القانون”. وفي الدورة اللاحقة يخفض ستة مقاعد من عدد أعضاء مجلس النواب الـ 128 من نفس الطوائف التي خصصت لغير المقيمين في المادة 112 من هذا القانون وذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير“.
تأجيل البت
هناك في الواقع اقتراحات قوانين عدّة تتمحور حول هذه المادة من القانون، من بينها اقتراح قانون معجّل مكرر تقدّم به تكتل الجمهورية القوية، “لم يدرجه رئيس مجلس النواب على جدول الأعمال، كما هي العادة بإدراج الاقتراحات المعجلة المكررة للتصويت على صفة العجلة، وحينها يقرر مجلس النواب إذا كان سيعالجه كاقتراح معجّل أو يحيله إلى اللجان”، وفق نائب رئيس مجلس الوزراء السابق وعضو التكتل النائب غسان حاصباني.
ويشير حاصباني في حديث إلى “المدن” إلى أن الرئيس بري ارتأى أن يحيل اقتراح القانون إلى اللجان التي تناقش قوانين الانتخابات، علمًا بأنّه مرتبط بإلغاء المادة 112، وهو ليس نقاشًا عامًا حول قانون الانتخابات كما هو حاصل في اللجان تحديدًا.”
ويذّكر حاصباني بالعريضة النيابية التي وُقّعت من أكثرية نيابية تطالب بإدراج هذا الموضوع على جدول الأعمال ولم يُدرج. ويستخلص أن ثمة “نوعاً من تأجيل البت في هذه المواضيع، وخصوصًا من جانب رئيس مجلس النواب، إذ لا يبدو أن لديه نية لإعطاء المغتربين إمكان التصويت لـ 128 نائباَ بتعديل قانوني حتّى الآن“.
توافق تشريعي تنفيذي!
وفي الوقت الذي أعرب فيه مجلس الوزراء عن عدم قدرة الاغتراب على التصويت بما ينص عليه القانون النافذ حاليًا، بات القرار أو الخطوة التنفيذية في عهدة مجلس النواب. وأتى ذلك إستنادًا الى تقرير اللجنة الوزارية المعنية بدرس تطبيق قانون الانتخاب. إذ ورد في مقررات جلسة مجلس الوزراء في 16 أيلول 2025 أن “ما تضمّنه القانون في وضعه الراهن من ثغر وغموض يثير الالتباس، اقلّه في ما يتعلق بنص المادتين 112 و122 منه ويستدعي تدخلا للمشترع لإزالة الغموض، والحؤول دون التفسيرات المختلفة لأحكامهما“.
وفي السياق، يوضح مصدر وزاري لـ “المدن” أن “القرار الذي اتخذته الحكومة نابع من أنها أداة تنفيذ للقوانين التي يشرعها المجلس النيابي، ولم تقدم أي اقتراح كي لا تلعب الدور التشريعي المنوط بالمجلس، مشيرًا إلى أنها راسلت مجلس النواب حول القرار التي اتخذته بأن البند المتعلق بانتخاب النواب الموّزعين على القارات الست غير قابل للتنفيذ، بالإضافة إلى بند البطاقة الممغنطة، فيما هناك جاهزية لكل الأمور الأخرى، إذ طُلب من المغتربين التسجيل في الوقت المناسب، والانتخاب بحسب القانون الذي يُقر، والذي يتفق عليه مجلس النواب.
وفي هذا الصدد، يلفت حاصباني إلى اقتراح وزراء القوات اللبنانية في مجلس الوزراء أن يرسل المجلس مشروع قانون عاجل لإلغاء هذه المادة لإعطاء المغتربين حق التصويت لـ 128 نائبًا في لبنان من الاغتراب، ولم يلقَ قبولًا.
وحول الخطوات المرتقبة، يعتبر حاصباني أنه “سبق واتخذنا عدة خطوات وكنا رأس حربة في هذا الموضوع، وعدد من النواب واكبنا في العريضة النيابية، وسندرس الموقف في جلسة الإثنين، لنرى في أي اتجاه يجب أن نتوجه. كما يوجد مواضيع تشريعية يجب أن يكون لدينا اهتمام بها، ولكن هذا الموضوع أصبح طارئًا“.
ويحث حاصباني على أن “يحصل كل استحقاق دستوري في موعده، فما من سبب وجيه لتمديد ولاية المجلس النيابي، خصوصًا أنه استحقاق أساسي وجوهري وإذا كان هناك من إشكالية في بند من بنود القانون فيُعدل بأسرع وقت ويبت به“.
الى ذلك، وإذ يشدد النائب مارك ضو لـ “المدن” على أنه “حق لكل اللبنانيين في الخارج الانتخاب بحسب مكان القيد كما كل المواطنين في لبنان، إذ لا يمكن السير بمعيارين”، يرى أن “التأجيل والتهرب من إقرار هذا القانون محاولة لتعطيل المشاركة الفاعلة للمغتربين، وإثارة الشكوك حول إمكان إجراء الانتخابات“.
وردًا على سؤال حول إمكان اتخاذ خطوات تصعيدية، يقول: “نحن راغبون في ذلك ونشجع عليه وندرس الخيارات المتاحة، بانتظار استعداد أكثرية الموقعين والملتزمين بهذا القانون التحرك باتجاه التصعيد“.
لا تعديل ولا شطب
إلى ذلك، يرفض الثنائي أمل – حزب الله تعديل القانون لانتخاب المغتربين في دوائر قيدهم في لبنان، وهو ما بدا جليًّا من خلال موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم إحالة القانون إلى الهيئة العامة.،وكذلك، اعتبار الثنائي ان ليس هناك تكافؤ في الفرص لعدم قدرة المرشحين على طرح برامجهم الانتخابية وحفظ أمن الناخبين وسلامتهم.
ويشير عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى في اتصال مع “المدن” إلى أنه في حال حظي التعديل بأكثرية في المجلس فسيعدّل، وإذا لم يحصل على الأكثرية فسيصار إلى اعتماد القانون النافذ حاليًا، مذكرًّا بأن الكتلة تقدمت باقتراح قانون في وقت سابق، ومن هو من بين القوانين الستة قيد المناقشة في اللجنة الفرعية.
وإذ يتلاقى التيار الوطني الحر مع الثنائي برفض تعديل المادة أو شطب المادة المذكورة، ولكن لاعتبارات مختلفة، خصوصا أن نواباً من التيار الوطني الحر سبق أن تقدموا بطعن أمام المجلس الدستوري في هذا الصدد، إنما لم يصل آنذاك المجلس الدستوري إلى قرار بالأكثرية.
وفي هذا الإطار، يؤكد عضو كتلة لبنان القوي النائب أسعد درغام في اتصال مع “المدن” أن الكتلة ستضغط ضمن الأطر القانونية في المجلس النيابي ليبقى القانون الحالي سارياً ونافاً، مشيرًا إلى من يطالب بتعديله هو من وافق عليه طبقًا لمصالح انتخابية وليس بهدف إصلاح انتخابي، لافتًا إلى أن الأساس في الإصلاح الانتخابي هي البطاقة الممغنطة، والميغا سنتر الذي يزيل عن الناخب في لبنان عناء الذهاب إلى بلدته في هذه الظروف وممارسة حقه الديمقراطي في التصويت في مكان السكن.
ضيق الوقت
وردًا على سؤال حول إمكان إقرار قانون انتخابي جديد، يقول حاصباني: “الوقت متأخر جدًا لدراسة قانون مختلف جذريًا عن القانون الحالي، هناك ملاحظات على القانون ويُدرس في لجان المجلس، إنما هل الوقت يتيح لنا النظر في قانون جديد، لاسيما أن وزارة الداخلية بدأت بإجراءات تنفيذية لتطبيق القانون الحالي؟ معتبرًا أن لدينا قانوناً قائماً، ويمكن أن تكون هناك بعض التعديلات السريعة الطارئة لتأمين عملية تطبيقه، كما الحال في المادة 112، التي يمكن تعلّق أو تعدّل أو تلغى، ولكن لا يمكن إجراء تعديل جذري قبل الانتخابات“.بوقت قصير
كما لا يرى ضو أن الوقت المتبقي للانتخاب يسمح بتعديل جذري للقانون على الرغم من ملاحظاتنا العديدة عليه، “نحن مع الإصلاحات التي تسمح بانتخاب المغتربين لـ 128 نائبًا، والميغا سنتر”. فهذه الانتخابات مصيرية، إذ تأتي ما بعد الحرب ومع استعادة السلطات الشرعية للقرار اللبناني”.
بالمحصلة، وبعيدًا عمًا نشاهده والعناوين التي تُطرح، ربما يكون العنصر الأساس في إنجاز هذا الاستحقاق الانتخابي الديمقراطي هو الأرقام، لاسيما بعدما اختل ميزان الثقل السياسي لبعض القوى، وتغيرت خريطة التحالفات. فأضحت هذه القوى تبحث عن مخارج بما يناسب مصالحها أو بما يطيح الاستحقاق.. وما جلسة اليوم سوى “بروفا” لما قد يختبره المسار التشريعي للانتخابات النيابية، ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي.





