تَعاظُم مؤشرات تطيير الانتخابات النيابية المقبلة: هل تَسَبّبت «الصخرة» بتشقق الجبهة الرئاسية؟

 عون قلّد قائد الجيش وسام الأرز الوطني وأعلن أن «القوى العسكرية والأمنية خط أحمر»

… «الدخانُ» تحت قبة البرلمان الذي شهد «برج بابل» نيابياً على خلفية معركة اقتراع المنتشرين التي باتت تضع الانتخابات التشريعية برمّتها (في مايو المقبل) على محكّ التطيير، ولكن «النار» الكامنة كانت تتأجّج فوق صخرة الروشة التي بدتْ تَشظياتُ إضاءة صورتيْ السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين عليها وكسْر تعميم رئيس الحكومة نواف سلام بمنْع ذلك أعمق من أن تَنْحَسِرَ بسهولة.

هكذا كان المشهدُ في بيروت اليوم حيث ارتسم بوضوحٍ أن ما شهدتْه الروشة الخميس لن يكون مجرّد «زوبعة على صخرة» وانتهتْ، خصوصاً بعدما تَظَهَّر في أول «يوم عمل» لرئيس الجمهورية جوزاف عون بعد عودته من نيويورك حَجْمُ «الندوب» التي أصابتْ علاقتَه بسلام في ضوء المطاحنةِ بين الأخير و«حزب الله» حول إضاءة صورتيْ أمينيه العامين (اغتالتْهما إسرائيل) على المعلم السياحي الأبرز في العاصمة.

ولم يكن عادياً أن يشتدّ تَوَهُّجُ «أزمة الصخرة» على الجبهة الرئاسية التي غالباً ما انطبعتْ بأجواء «رمادية» وإن مكتومة، رغم إعطاءِ سلام إشاراتِ احتواءٍ مزدوج: أولاً لمفاعيل الارتدادِ الذي حصل على تعميمه لجهة خرْق منظّمي التحرّك أمام الروشة الإذنَ الذي مُنح لهم بالتجمّع من دون إضاءة الصخرة، وثانياً لأداء القوى العسكرية والأمنية التي بدتْ «حارسةً» للفاعلية وصولاً لشُكْرِ قيادتيْهما بالصوتِ والصورةِ من القيادي في «حزب الله» وفيق صفا على«مساهمتها في إنجاح فاعلية الإضاءة».

فبعدما أوحى اكتفاءُ سلام باعتكافٍ لساعاتٍ وانتظاره الإجراءات الكفيلة«توقيفَ الفاعلين وإحالتهم على التحقيق لينالوا جزاءهم إنفاذاً للقوانين المرعيّة»وفي الوقت الذي نزل إلى البرلمان مع حكومته وشارَكَ في الجلسةِ التشريعية، توقفت أوساط واسعة الاطلاع عند 3 إشاراتٍ متقاطعة، اثنان منها صدرتا من القصر الجمهوري وعن عون، باعتبار أنها تَعكس في شكلٍ لا لبسَ فيه أنّ«عاصفةَ الصخرة»تَسَبّبَتْ بتشقُّقٍ في علاقة الرجلين.

واعتبرت الأوساط أن هذه الإشارات تستوجب رَصْداً لمسارِ ما يَشي بأنه«وعكة»بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة وأين ستقف، وما تداعياتها على عمليةِ سحْبِ سلاح«حزب الله»التي يشكّل عون وسلام رافعتَها والتي زَرَعَ الحزبُ فيها لغماً«صخرياً»انفجر في«خندقهما»عبر ما بدا صفعةً للدولة وهيبتها التي حَجَبتْها إضاءة الروشة«بالقوة وإن الناعمة»، ناهيك عن إحداثه شروخاً على خط رئيس الوزراء والمؤسسة العسكرية المولجة تنفيذ خطة تفكيك ترسانته.

وهذه الإشارات هي:

– كلامٌ غير مسبوق من عون أمام زواره بلغةِ«ممنوع على أحد أن «يقرّب صوب» الجيش والقوى الأمنية»وهي«خط أحمر»وذلك في معرض تأكيده أن واجبهم الأساسي«حفظ السلم الأهلي وقد قاموا به على أكمل وجه»،ومشيداً بأنه«في بيروت لم تحصل ضربة كف».

وقد أكد رئيس الجمهورية أن«لبنان يمرّ بمرحلة دقيقة تتطلب مقارباتٍ مسؤولةً وواقعيةً للمشاكل التي تعترضه بعيداً عن المزايدات والحسابات الانتخابية لأن مصلحة البلاد العليا تسمو على أي مصالح أخرى»، مشدداً على أن«السلم الأهلي يَبْقى أسمى من أي اعتباراتٍ، ومن واجبات الجيش والقوى الأمنية المحافظة عليه، وهم يقومون بواجباتهم كاملة تحقيقاً لهذا الهدف الذي بات خطاً، لأنه لولا سهر الجيش والقوى الأمنية على أمن المواطنين وسلامتهم وحماية المجتمع اللبناني بكل مكوناته لَما استعاد لبنان أمانه واستقراره، ولَما كنا اليوم معا ولا كان لبنان موجوداً».

وشدّد على أن«الجيش والقوى الأمنية يعملون بتنسيق كامل وتعاون مطلق ويكافحون الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والمهمات الأمنية الموكلة إليهم بالتزام ومسؤولية. من هنا ليس من المقبول أن يصوّب أحد على الجيش والقوى الأمنية لأنهم خط أحمر».

– والإشارةُ الثانيةُ استقبالُ عون قائد الجيش العماد رودولف هيكل، حيث اطلع منه على الأوضاعِ الأمنية في الجنوب والمناطق اللبنانية كافة، والمهمات التي يقوم بها الجيش على كل الأراضي اللبنانية. وخلال اللقاء، قلّد عون العماد هيكل وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر«تقديراً لعطاءاته وللمهام القيادية التي يتولاها».

– أما الثالثة فاستقبال عون رئيس البرلمان نبيه بري، الذي كان أشيع عشية فاعلية الروشة أنه ساهم في تسويةٍ جرى الانقلاب عليها وكانت تقضي يمنْح الإذن من محافظ بيروت لإقامة النشاط مع تحديد عدد المشاركين فيه (بـ 500) والامتناع عن إضاءة الصخرة.

وبحسب مكتب الإعلام في القصر الجمهوري، فقد أجرى عون مع بري«جولة أفق تناولت الأوضاع العامة في ضوء التطورات الأخيرة».

وبعد اللقاء الذي لم يستمرّ أكثر من ربع ساعة، قال بري:«كالعادة كان اللقاء مع فخامة الرئيس ممتازاً، عرضنا فيه مواضيع الساعة وأطلعني على نتائج اللقاءات التي عقدها في نيويورك، ووضعتُه في جو ما حصل في بيروت قبل أيام».

وعما إذا كانت الأمور تتجه نحو الأفضل، أجاب بري«إن شاء الله خيراً».

وفي موازاة ذلك، لم تقلّ دلالةً الزيارةُ التي قام بها وزير الدفاع ميشال منسى للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على مدى ساعة حيث وضعه في أجواء المستجدات الأخيرة والإجراءات التي تتخذها وزارة الدفاع. وقال منسى«أطلعنا غبطته على التطورات الأخيرة وشرحنا له الخطوات التي نقوم بها، على أمل أن تنتهي الأزمة وتُذلّل العقبات برعاية البطريرك وبركته».

ومعلوم أن منسى (محسوب على رئيس الجمهورية) كان أوّل من أعطى إشارةَ وجود أجواء غير مريحة بين عون وسلام حين ردّ على بيان رئيس الحكومة ليل الخميس ببيانٍ، معلناً أن «كرامة الجيش وعسكرييه وضباطه الفخورين الجسورين الميامين تأبى نكران الجميل، وتأنف التحامل الظالم، وتأسف لإلقاء تبعات الشارع على حماة الشرعية والتلطي وراء تبريرات صغيرة للتنصل من المسؤوليات الكبيرة».

وأبدتْ الأوساطُ المطلعةُ خشيةً من أن تستجرّ هذه الأجواء الملبَّدة المزيد من الفصول السلبية، وأن يتسلّل «حزب الله» – الـ «جالس فوق الصخرة» – عَبْرها لإضافة العراقيل أمام عملية سحب سلاحه، خصوصاً في حال جرى الانزلاقُ نحو مَظاهر تُفسَّر على أنها محاولة استفراد برئيس الحكومة ومحاولة إحراجه ربما… لإخراجه.

الانتخابات النيابية

وإذ يُنتظر كيفية تلقُّف سلام هذه المناخات، وهل يزور عون قريباً، تطايرت من الجلسة التشريعية للبرلمان مؤشراتٌ تشي بأن الانتخابات النيابية صارت في مهبّ الريح، في ضوء تحوُّل عقدة اقتراع المنتشرين فتيلاً من شأنه الإطاحة بالاستحقاق، خصوصاً على وقع استمرار التمترس الشديد بين:

– حزب الله ومعه بري والتيار الوطني الحر الذين يصرّون على إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ الذي ينصّ على استحداث 6 مقاعد إضافية على مستوى القارات يختارها غير المقيمين (وهذه المادة أقرت منذ 2017 وجرى تعليقها في انتخابات 2018 و 2022)، وهو ما يستوجب بحسب الحكومة تدخلاً تشريعياً من البرلمان لوضع إطارٍ تطبيقي ومعالجة ما أسمتْه «عيوباً»، ولكن فريقَ الممانعة يرى في المقابل أن بالإمكان تفعيل هذه المادة عبر آليةٍ إجرائية تتولاها وزارتا الداخلية والخارجية.

– القوى المعارضة للحزب والتي تتمسك بحصول تعديل يُلغي المادة المتعلقة بالمقاعد الستة وجعل المنتشرين يقترعون للـ 128 نائباً كل منهم في دائرته الانتخابية، وتعتبر أن بري يخالف النظام الداخلي للبرلمان بامتناعه عن إدراج اقتراح قانون معجّل مكرر تقدّم به 61 نائباً في هذا الإطار على جدول الأعمال وإحالته على لجنة فرعية تتولى مناقشة مجموعة اقتراحات في شأن قانون الانتخاب.

وبدا جلياً خلال الجلسة النيابية وما تخللها من مشاحناتٍ أن البرلمان يقترب من أزمةِ تشريعٍ، بعدما انسحبت مجموعة من الكتل تباعاً اعتراضاً على موقف بري الأمر الذي أفقد الجلسة نصابها فأرجئت الى اليوم الثلاثاء، في موازاة تعليق كتلة «القوات اللبنانية» مشاركتها في اجتماعات اللجنة الفرعية.

في موازاة ذلك، مضت إسرائيل في اعتداءاتها حيث شنت غارتين واحدة على سحمر في البقاع الغربي وثانية على النبطية، ما أدى إلى سقوط شخصين.

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...