ما كاد لبنان يلملم الأزمة التي كادت أن تنفجر على “صخرة الروشة” لمنع انفجار الحكومة من داخلها، حتى برزت ملامح التفجير من مجلس النواب وتطيير نصاب الجسلة النيابية على خلفية قانون الانتخاب. عملياً، يجد لبنان نفسه مطوقاً بالملفات المختلفة، وليس فقط ملف السلاح. ملفات تشير إلى وجود تباينات ومقاربات بين الرؤساء وهو ما سيؤثر سلباً على مسيرة العهد والحكومة معاً، خصوصاً أن هذه الاختلافات سيكون لها انعكاسها المباشر على الاهتمام الخارجي بالوضع الداخلي، وقد بدأت ملامح تراجع الاهتمام وانعدام الثقة تظهر من خلال تنصل الأميركيين على لسان الموفد توم باراك من دورهم كجهة ضامنة لاتفاق وقف النار مع إسرائيل، فعبّر باراك بوضوح عن ضرورة معالجة الأمر بمفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل، لكن لبنان لا يوافق على ذلك حتى الآن.
يبقى الملف الإسرائيلي متفجراً لبنانياً وسط مخاوف من احتمالات زيادة منسوب التصعيد العسكري الإسرائيلي، فيما تنتظر الحكومة تقرير الجيش اللبناني الذي سيتم تقديمه الأسبوع المقبل. وسط هذه الأجواء، لا تزال تداعيات موقعة صخرة الروشة تتفاعل، وهي التي كادت أن تؤدي إلى أزمة سياسية أو حكومية، إلا أن المساعي الداخلية ساهمت في تخفيف حدة التوتر، ما دفع برئيس الحكومة إلى استقبال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله، بعدما كان يريد محاسبة كل المقصرين والذين لم يعملوا على منع حزب الله من إضاءة صخرة الروشة.
أمام هذا المشهد بقي الوضع الحكومي عرضة للتأويلات والتساؤلات على وقع انتظار اللقاء المرتقب بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام. لقاء استبقه رئيس الجمهورية ببيان واضح يدافع فيه عن الجيش والأجهزة الأمنية، واصفاً إياها بالخط الأحمر. بدا وكأن عون يردّ على مواقف رئيس الحكومة نواف سلام الذي كان غاضباً من تصرف الجيش والأجهزة الأمنية يوم الخميس الفائت على الروشة، لا سيما في ضوء توجيه الشكر إليها من جانب مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا. وما بعد رفعه الخطّ الأحمر، كلّل عون موقفه بمنح قائد الجيش الوشاح الأكبر، في خطوة رمزية لاحتضان الجيش وتأييد خطوات قائده، وهي رسالة ضمنية ثانية مفادها أن رئيس الجمهورية بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، يأخذ على عاتقه دعم الجيش والمواقف التي يتخذها ويضعها في سياق الحفاظ على السلم الأهلي. واللافت أن رئيس الجمهورية، وقبل استقباله قائد الجيش، كان قد استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وسط معلومات تفيد بأنهما منسجمان ويتفاهمان على غالبية المقاربات.
في هذا السياق، تكشف المصادر المتابعة أنه يوم حصول موقعة الروشة، حصل تواصل بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وخلاله جرى الاتفاق على لقاء بينهما. كذلك يُفترض أن يعقد لقاء بين عون وسلام. لكن عون الذي يحتضن الجيش ويعتبر أن الأجهزة الأمنية خط أحمر، يرد على كل الذين شككوا في الجيش ودعوا إلى إقالة قائده، إضافة إلى إقالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي. وهذه الدعوات إلى المحاسبة برزت في وسائل إعلام وعلى لسان نواب وشخصيات سياسية وقوى حزبية. وإشارات عون ودلالاته لا توفر رئيس الحكومة، الذي كان غاضباً من وزيري الدفاع والداخلية، ومن قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي. وهذه هي المرة الثانية التي يبرز فيها الاختلاف بين عون وسلام بعد الاختلاف الكبير على تعيين حاكم لمصرف لبنان. وبحسب المعلومات فإن لكل من الرجلين مقاربته المختلفة عن الآخر في ما يخص الاستحقاقات والملفات، ولاسيما آلية معالجة ملف السلاح.
اختلاف المقاربات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سيرخي ظلالاً سلبية على موقف لبنان تجاه الخارج. هذا الخارج الذي يواصل ضغوطه على لبنان لأجل تحقيق تقدم في ملف سحب سلاح حزب الله وتطبيق خطة الجيش واتخاذ الإجراءات الإصلاحية اللازمة. وإذا بقي لبنان متأخراً في هذا المسار، فإن ذلك سينعكس سلباً على حجم المساعدات التي سيتم تقديمها، وسط معلومات تفيد بأنه إذا لم يُظهر تقرير الجيش اللبناني جدية وتسريعاً لعملية سحب السلاح وتطبيق الخطة، فإن ذلك قد يؤثر سلباً على عقد مؤتمر دعم الجيش المفترض أن يتم في المملكة العربية السعودية.
في موازاة هذه الاستحقاقات، برزت إشكالية جديدة من مجلس النواب متعلقة بقانون الانتخاب، إذ إن عدداً من الكتل النيابية انحسبت من الجلسة التشريعية بعدما رفض رئيس مجلس النواب مناقشة تعديل قانون الانتخاب. فكتل نيابية عدة، ولا سيما الكتائب، القوات، ونواب التغيير وكتلة الاعتدال إضافة إلى نواب مستقلين، يريدون أن يتم السماح للمغتربين بالتصويت لأعضاء المجلس النيابي بشكل كامل، وعدم تخصيص 6 نواب يمثلون الاغتراب، لكن الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحرّ يرفضون ذلك ويتمسكون بخيار تصويت المغتربين لستة نواب فقط، لأنهم يعتبرون أن تصويت الاغتراب لكل أعضاء المجلس النيابي سيؤدي إلى خسارتهم للانتخابات، إذ ليست للثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر حرية الحركة في دول الاغتراب للتصويت. كما أن الإجراءات المتخذة ضد حزب الله ومناصريه لن تسمح لهم بحرية الاختيار. وفي مواجهة ذلك، يبرز خياران آخران: الأول هو أن لا تُصدر الحكومة المراسيم التطبيقية للقانون الانتخابي الحالي، فتحصل الانتخابات من دون مشاركة المغتربين إلا الراغبين منهم بالسفر إلى لبنان للمشاركة في العملية الانتخابية، والثاني هو احتمال تأجيل الانتخابات بسبب الخلاف على القانون والسعي إلى تعديله، لا سيما أن هناك أطرافاً عديدة قد تعتبر أن تأجيل الانتخابات يصب في مصلحتها. فنواب التغيير مثلاً يحافظون على مواقعهم فيما هم خائفون من الخسارة في الانتخابات المقبلة. التيار الوطني الحرّ يحافظ على وضعيته ويخشى التراجع، فيما الثنائي الشيعي يريد أن يبقى محتفظاً بـ27 نائباً من أصل 27 يمثلون الطائفة الشيعية. كما أن بري يريد أن يبقى رئيساً للمجلس. أما بالنسبة إلى القوات اللبنانية فهي التي تبدو أكثر المتحمسين للانتخابات، ولكن التأجيل لمدة سنة لا يضرها إذ تعتبر أن البرلمان المقبل هو الذي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل. لكن أحداً لا يمتلك ورقة تأجيل الانتخابات، ولا شيء يمكنه التسبب في ذلك، إلا إذا دخلت البلاد في مواجهة عسكرية نتيجة تصعيد إسرائيلي، أو دخلت في أزمة سياسية كبرى أدى إليها تفاقم الخلافات الحكومية.