ماذا يجري في سجن رومية؟ سؤال يطرح إزاء ما تكشف عنه جمعيات حقوق الإنسان من وقائع إنسانية وصحية وحتى قانونية داخل السجون اللبنانية. لكن السؤال البديهي، ما هي الأسباب التي تؤدي الى ارتفاع معدل حالات الانتحار في السجون وتحديدا سجن رومية حيث وصلت في معدلها العام إلى حالة كل أسبوعين أو ثلاثة على أبعد تقدير بين انتحار أو محاولة انتحار وهذه سابقة تسجل في السجون اللبنانية خصوصا والعالم عموماً.
نهاية الشهر الفائت أُفيد عن حادثة انتحار فتى سوري الجنسية يدعى مهند .أ ويبلغ من العمر 14 عامًا داخل سجن الوروار المخصص للأحداث. وقد تم توقيفه بجرم سرقة لكن اللافت بحسب ما كشفت عنه جمعيات لحقوق الإنسان وجود آثار دماء على جثته، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جدّية حول ما حصل، وما إذا كانت هناك ظروف مشبوهة أحاطت بالحادث.
وبحسب المعطيات كان مهند يُعاني من اضطرابات نفسية، وقد نُقل قبل بضعة أسابيع من انتحاره من سجن رومية إلى سجن الأحداث في الوروار، حيث عُثر عليه معلقاً بحبل مصنوع من “الشراشف” داخل حمّام السجن.
ما حصل فجر اليوم ليس معزولا إلا في المكان. أما الأسباب والظروف فقد تكون متشابهة. فقد استفاق سجناء سجن رومية على مشهدٍ صادم، بعدما عُثر على السجين(كمال. ج) يحمل الجنسية اللبنانية وهو في العقد الخامس من العمر مشنوقا. والسجين موقوف بتهمة محاولة قتل، وكان يعاني من اضطرابات عصبية ونفسية.
اللافت في التوقيت أن الحادثة حصلت قبل 48 ساعة فقط من موعد الاعتصامات التي دعا إليها أهالي السجناء في لبنان وسوريا، ما شكّل حافزًا إضافيًا للمشاركة الكثيفة في التحرّكات المرتقبة. وقد وجّه أهالي السجناء في لبنان دعوةً عامة للمشاركة في اعتصامات شاملة في مختلف المناطق اللبنانية، للمطالبة بالعفو العام الشامل.
مدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية المحامي محمد صبلوح يأسف لعدم اعتماد القوى الأمنية الشفافية المطلوبة في التعاطي مع حالات الانتحار ومحاولات الانتحار التي تحصل في سجن رومية. ويقول لـ”المركزية”:هذه الحادثة ليست معزولة عن سابقاتها، فهناك ارتفاع ملحوظ في حالات الانتحار داخل السجون اللبنانية، لكننا لا نرى أي شفافية في التعامل معها، ولا يتم الإعلان عن الأرقام الحقيقية، ولا تُفتح تحقيقات واضحة، وهذا أمر خطير جدًا لأنه يتعارض مع أبسط معايير حقوق الإنسان والعدالة”.
ويشير إلى أن “المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الحكومة الحالية، بل على الحكومات المتعاقبة والمشرّعين الذين تجاهلوا أوضاع السجون لسنوات طويلة، وما حصل مع مهند القاصر والسجين الذي أنهى حياته صباح اليوم يجب أن يكون جرس إنذار للجميع، إذ لم يعد مقبولًا أن تُزهق أرواح داخل السجون تحت ستار الصمت”.
ما يثير الريبة بحسب صبلوح تكرار حالات الإنتحار في السجون وتحديدا سجن رومية إضافة إلى حالات الوفاة بسبب الإهمال الطبي وعمليات الفرار التي تحصل وآخرها فرار قاصرين من سجن الوروار للأحداث ولم تتوصل القوى الأمنية بعد إلى توقيفهما بعدما تواريا عن الأنظار.
ويكشف صبلوح عن محاولة انتحار أحد السجناء قبل أسبوعين ،تم إنقاذه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ونقل إلى مركز متخصص للعلاج النفسي. وتولى صبلوح إبلاغ الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بعد كشف الموضوع انطلاقا من الظروف التي أحاطت بانتحار القاصر مهند الذي حاول الإنتحار قبل أن ينجح في المرة الثانية. وبدل إحالته إلى مركز متخصص أعيد إلى سجن الوروار للأحداث . ويكشف صبلوح عن الواقع المزري في سجن الأحداث حيث أنه لا يوجد أكثر من 20 عنصر أمن يتولون الأمن والحراسة على 103 سجناء قصّار، في حين يفترض مضاعفة العدد ، ولا توجد آليات لسوق القاصرين إلى المحاكم مما يرتب تأخيرا في إصدار الأحكام ومضاعفة أزمة الإكتظاظ .
وفي ما خص السجين الذي أقدم على الإنتحار صباح اليوم يقول صبلوح أنه موقوف بتهمة القتل وكان يعاني من حالة اضطراب نفسي ويقبع في سجن رومية من دون محاكمة وسط ظروف إنسانية وصحية مريبة. كل هذه العوامل أدت ربما إلى إقدامه على الانتحار وبحسب المعلومات التي وردت بقي ساعتين معلقا على الشرفة .
حادثة الإنتحار تزامنت مع إعلان أهالي السجناء اللبنانيين والسوريين التحرك مما يهدد بنسف الأجواء الإيجابية التي بدأت ترتسم عقب لقاء وزير العدل عادل نصار ونظيره السوري ووفد قضائي لحل مسألة الموقوفين السوريين في لبنان.
ووفق المعلومات التي يكشف عنها صبلوح، فإن الإتصالات تعثرت بعدما رفض الجانب اللبناني تسليم كافة السجناء السوريين بحيث رسا القرار على تسليم لبنان 700 موقوف سوري من أصل 2600. أما الباقون فقرر الإبقاء عليهم نظراً إلى الأحكام الجنائية الصادرة بحقهم والتهم التي تتعلق بقتل عناصر الجيش اللبناني. وهذا ما دفع أهالي السجناء السوريين إلى الإعلان عن التحرك يوم الجمعة في مناطق سورية، على أن يلاقيهم في لبنان أهالي الموقوفين الإسلاميين وسجناء آخرين للمطالبة بإقرار قانون العفو العام بمن فيهم الموقوفون في أحداث عبرا وعلى رأسهم أحمد الأسير ،”وهذا غير وارد والمسألة لن تحل إلا بتخفيض السنة السجنية وتحديد المؤبد والإعدام. وفي حال عدم التوصل إلى هذا الحل سنكون أمام مشهدية سوداء داخل السجون وأخشى أن يكون لتحرك الجمعة المقبل تداعيات لأنه سيكون حاشدا” يختم صبلوح.
تحرك أهالي السجناء في لبنان وسوريا إلى الشارع يوم الجمعة…هل يلاقونهم بانتفاضة؟ .




