يكفي المراقب في لبنان أن ينظر إلى تشكيلة الوفد المشترك من وزارة الخزانة ومجلس الأمن القومي الأميركيين لكي يفهم ما هو المطلوب من لبنان. فتشكيلة الوفد مختصة بمكافحة تمويل الإرهاب والاستخبارات المالية عموما. في هذا السياق، وإضافة إلى العمل على نزع سلاح “حزب الله” بوتيرة أسرع بكثير مما هو حاصل الآن، من المهم جدا بالنسبة إلى واشنطن تفكيك الشبكة المالية العنكبوتية الخاصة بتمويل “حزب الله” بكل الوسائل، فضلا عن الشبكة الرديفة التي تعمل في شكل غير مباشر. ويمكن اعتبارها جزئيا واجهة لحركة التدفقات المالية لـ”حزب الله” الذي لا يظهر مباشرة في التعاملات المالية.
من الناحية العملية، يمكن إدراج جزء من أعمال عدد من شركات التحويلات المالية المخالفة للقوانين في لعبة تبادل الخدمات المالية بين هذه الشركات والحزب المذكور. أهمّ الشركات المعنية تأسست ونمت تحت رعاية “حزب الله” فيما كان في أوج قوته. ومن هنا جدية التعامل الأميركي مع ظاهرتي تهريب الأموال بكل الطرق والأشكال، وتعزيز “الاقتصاد النقدي” الذي يسهّل تمويل أنشطة “حزب الله” المالية من خارج النظام المالي الرسمي، ولاسيما أن الشركات المالية تمتلك حصة كبيرة من السوق النقدية وتستغلها بطرق وأساليب عدة، وبعضها يتم عن طريق الدولة اللبنانية التي لزّمت جباية الضرائب والرسوم لشركات مالية، ويمثل مئات الملايين من الدولارات سنويا. ومع ذلك، لا تزال الشركات المعنية تخالف القوانين، عبر الاحتفاظ بمبالغ من النقد اللبناني لفترات أطول مما هو مسموح قانونا، واللجوء إلى دفع غرامات على التأخير في سداد الأموال لوزارة المال. وفي المقابل يتم توظيف مبالغ ضخمة من الليرة اللبنانية في سوق الإقراض اليومي بين المصارف أو “الإنتربنك” ومراكمة أرباح طائلة على مدى السنوات من أموال لا تمتلكها الشركات في الأصل. ولا ننسى قضية عدم تسجيل عدد كبير من عمليات دفع يقوم بها المكلف اللبناني، بحيث أنه تمر أشهر طويلة من دون أن يظهر أثر للمدفوعات.
كل ما تقدم تنتج منه أرباح طائلة من خارج الأطر الشرعية، وجزء لا يستهان به يصب في خزائن “حزب الله” وحلفائه المباشرين. والوفد الأميركي الموجود في لبنان حاليا يمتلك تقارير مفصلة بالأسماء والأساليب المتبعة في عمليات تبييض الأموال. وبالتالي يمكن القول إن واشنطن لن تتأخر كثيرا عن إطلاق موجة من العقوبات ضد الشبكات التي تحدثنا عنها، بعدما تبين أن “حزب الله” تمكن خلال الأشهر الماضية من تلقي مئات ملايين الدولارات من إيران عبر طرق جديدة للتهريب، فضلا عن تبيض أموال في الداخل عبر الشركات المالية المخالفة وجيش الصرافين الذين يتحكمون في سوق النقد في البلاد.
إذا كان المجتمع الدولي يدق جرس إنذار اليوم، فلكي يستفيق المسؤولون اللبنانيون ويباشروا اتخاذ التدابير العاجلة لمكافحة “الاقتصاد النقدي” غير الشرعي. لقد ضاقت هوامش المناورة والتهرّب من المسؤولية في ما يتعلق بمكافحة تمويل “حزب الله”، تماما مثلما ضاقت بالنسبة إلى سلاحه الذي تأخر نزعه كثيرا!
تجفيف تمويل “الحزب” بمرتبة نزع سلاحه! .


