أدّت “حرب الإسناد” إلى إنهاء سلاح “حزب اللّه” ودوره محليًا وإقليميًا، وإذا لم يسلِّم ما تبقى له من سلاح فسيواجه مصيرًا قاتمًا. هذا المشروع انتهى في غزة ولبنان وسوريا، وسينتهي في المنطقة كلّها، وهذا أمر محسوم ولا نقاش فيه، إنما الإشكالية المطروحة في لبنان اليوم هي التالية: هل يمكن بناء دولة ومؤسسات ودستور مع “الثنائي” الحزبي الشيعي؟ وإذا كان الجواب حتمًا كلّا، فهل يمكن بناء وطن من دون الشيعة؟ وإذا كانت الإجابة أيضًا كلّا، فما العمل؟
أوّلًا، يجب التأكيد أن سلاح “حزب اللّه” انتهى، وأن تمسّكه به هو خسارة له وحده، لأن لا عودة إلى الوراء، وخياره الوحيد الحدّ من خسائره. أمّا إذا قرّر الانتحار، فلن يمنعه أحد وطريقه سالكة على هذا المستوى.
ثانيًا، يجب التأكيد أنه لا يمكن بناء وطن من دون المسيحيين أو السنة أو الشيعة أو الدروز، وأي محاولة من دون جميع المكوّنات سُتبقي لبنان في حال عدم استقرار دائم، كما أثبتت التجارب.
ثالثًا، يجب التأكيد أن الرهان على بناء دولة مع “الثنائي” الحزبي الشيعي خطيئة مميتة، لأن هذا “الثنائي” لا يمكن أن ينسجم مع مشروع الدولة والدستور والمؤسّسات. ومن يعتقد أن “الثنائي” سيتقبّل انتهاء دوره المسلّح ويلتحق بمشروع الدولة فهو واهم، إذ لن يتوانى عن استخدام كلّ الوسائل لمنع الدولة من استعادة دورها وهيبتها وحضورها.
وهذا يعني أن أزمة السلاح ستتحوّل إلى أزمة نظام وفوضى سياسية. ومن الوهم الاعتقاد بإمكانية التفاهم مع “الثنائي” الحزبي الشيعي على تطبيق الدستور أو إقامة نظام جديد، لأن وجوده مرتبط بعدم وجود دولة، ولن يسمح، سياسيًا اليوم كما كان عسكريًا وأمنيًا بالأمس، بقيام دولة فعلية، إذ لا يعيش ولا يتنفس إلّا في الفوضى.
وإذا كانت لا دولة مع “الثنائي” الحزبي الشيعي، ولا وطن من دون المكوِّن الشيعي، فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟ إن المخرج واضح وبسيط ولا طريق ولا خيار غيره، ويكمن في تحويل الإشكالية الشيعية إلى إشكالية وطنية. فمسؤولية إنهاء احتكار “الثنائي” لتمثيل الشيعة لا تقع على عاتق الشيعة وحدهم، بل على جميع اللبنانيين، لأنه ما لم تُكسر هذه الاحتكارية والاختزالية، فسيبقى مشروع الدولة متعثرًا، لأن “الثنائي” سيضع الحواجز تباعًا لمنع قيامها.
ولا يكفي أن تكون أكثرية مسيحية وسنية ودرزية مع مشروع الدولة، لأن هذه الأكثرية ستبقى عاجزة عن نقل لبنان من ضفة الفوضى إلى ضفة الاستقرار والازدهار، في ظلّ “ثنائي” حزبي يُصادر القرار الشيعي، ولا يفوِّت مناسبة من أجل افتعال الأزمات الوطنية والسياسية.
لذلك، لا يجوز تحميل الخط الشيعي اللبناني وحده مسؤولية رفع هيمنة “الثنائي” الحزبي عن الطائفة ومواقع الدولة، لأن لا قيام لهذه الدولة، التي تشكّل مطلبًا لبنانيًا عارمًا، في ظلّ هذه الهيمنة، ما يستدعي تحويل مهمة رفع الهيمنة إلى مهمة وطنية جامعة وشاملة لا شيعية فحسب.
ويجب أن تشكّل الانتخابات النيابية المقبلة المسرح الأساسي لكسر الاحتكار والاختزال والهيمنة، باعتبارها المدخل الإلزامي لبناء وطن مستقرّ ودولة فعلية، ومن دون كسر الاحتكارية يعني استمرار الدوران في حلقة الأزمات المفرغة والمفتعلة لمنع قيام دولة فعلية.
وعليه، يجب أن يكون عنوان انتخابات 2026 عنوانًا شيعيًا بامتياز، مع قناعة وطنيّة عامة، مسيحية وسنية ودرزية، بأن لا خلاص من دويلة السلاح إلّا برفع هيمنة “الثنائي” عن الدولة ديمقراطيًا من باب صناديق الاقتراع، ومدّ اليد، قولًا وفعلًا، إلى الخط الشيعي اللبناني لبناء دولة الشراكة والقانون والحداثة.
بناء الوطن من دون الشيعة مستحيل… ومع “الثنائي” غير ممكن .







