من معركة “الأكثريّة” في الحكومة إلى معركة “الأكثريّة” في مجلس النوّاب. محور “القوّات” و”الكتائب” والفريق النيابيّ الداعم لتصويت غير المقيمين في الخارج للنوّاب الـ 128، احتفل بـ “انتصار” جزئيّ يحتاج، بالنهاية، إلى مطرقة الرئيس نبيه برّي كي يُصبح ساري المفعول. فكيف سيردّ ثنائي “أمل” و”الحزب” على إحالة الحكومة مشروع القانون المعجّل المكرّر بتعليق العمل بالمقاعد الستّة “بصورة استثنائيّة”، وبفتح صناديق السفارات لتصويت المغتربين من خارج لبنان؟
بالتأكيد، المعركة الكبرى والحاسمة هي في مجلس النوّاب وليس في أيّ مكان آخر. فور انتهاء جلسة مجلس الوزراء، عمّم الرئيس نبيه برّي على فريقه معلومة واحدة مقتضبة: حين يصلني مشروع القانون، سأتصرّف. وفق معلومات “أساس” لم ترسل الحكومة مشروع القانون بعد، وسيتمّ ذلك مبدئيّاً اليوم الإثنين.
لكن أمس كشف نائب “حركة أمل” علي حسن خليل عن جزءِ من مسار تعاطي بري مع مشروع الحكومة، عبر التأكيد في حديث إلى قناة “الميادين” بأن “أي فتح للنقاش حول تعديلات على قانون الانتخاب سيفتح النقاش على كل سلّة التعديلات”، مشيراً إلى أن “هناك من يمارس الإرهاب السياسي على الحكومة ورئيسها”.
أكد خليل أيضاً أن “هناك فريقاً يريد الانقلاب على قانون الانتخابات الحالي النافذ، ونحن متمسّكون بهذا القانون، ولن نسمح له بأن يهزمنا، كما يقول. وهذا الانقلاب يُشكّل استهدافاً لمكوّن أساسي، حيث هناك فريق من اللبنانيين لا يستطيع ممارسة حقه الانتخابي بحريّة في الخارج”.
تسوية أو أزمة!
في الوقائع، لا يزال الثنائيّ الشيعيّ متمسّكاً برفضه اعتماد تصويت المغتربين من الخارج للنوّاب الـ 128، إذ يرى أنّ التعديل المُقترَح يراعي مصلحة مباشرة لمن لا مشكلة لديه في تصويت ناخبيه لمرشّحيهم في الداخل، وهو ما سيرفع حتماً من استفادة هذا الفريق من رصيد أصوات المغتربين، فيما ناخبو الثنائيّ الشيعيّ لديهم مشكلة حقيقيّة أكثر تعقيداً من عام 2022 في ممارسة حقّهم الانتخابيّ بحرّية في العديد من الدول، ولا يستطيع عدد من مرشّحي الثنائيّ القيام بحملات انتخابيّة في الخارج.
تتحدّث أوساط الثنائيّ الشيعيّ عن “تسوية لا بدّ من التوصّل إليها، مهما كلّف الأمر، وإلّا فسنصل إلى أزمة حقيقيّة غلافها انتخابيّ وجوهرها سياسيّ. والأهمّ أنّ برّي لن يخضع للضغط”.
للمرّة الأولى تشير أوساط الثنائيّ إلى احتمال تطيير الانتخابات بسبب هذه الأزمة، وتضيف: “هل يمكن تصوّر سيناريو تصويت النوّاب في الهيئة العامّة على تعديل القانون بما يسمح بتصويت المغتربين للـ 128 نائباً، من دون مشاركة أيّ صوت شيعيّ. وما حصل في السراي لن يتكرّر في ساحة النجمة”.
كانت لافتةً في هذا السياق مقدّمة محطّة NBN، المحسوبة على برّي، التي أكّدت أنّ “قرار مجلس الوزراء تجاوز عتبة التوافق الوطنيّ عبر القفز السياسيّ فوق رأي مكوّن أساسيّ فجاء حاصل هذا القرار ثلاثيّ الأبعاد: خالياً من الميثاقيّة، ودافعاً نحو الاشتباك السياسيّ، والأخطر هو الانقلاب على الصيغة التوافقيّة التي عمل عليها رئيس الجمهوريّة على مدى أسبوع كامل”.
تعديلات حتميّة
لا تقف المسألة عند كيف سيتعاطى الرئيس نبيه برّي مع مشروع القانون المعجّل المكرّر الآتي من الحكومة، فلا شيء يُلزمه قانوناً بوضعه على جدول أعمال الهيئة العامّة لبتّه، تماماً كما سبق أن تعامل مع اقتراح القانون المعجّل المكرّر المُحال من نوّاب “القوّات” و”الكتائب” ومستقلّين، وتُتوقّع إحالته إلى اللجنة النيابيّة الفرعيّة المكلّفة درس اقتراحات القوانين.
السؤال الأهمّ هو كيف سيتعاطى برّي مع مسار حتميّ، وهو ضرورة إجراء تعديلات أصلاً على القانون الحاليّ، الذي يُطالب بتطبيقه كما هو، كي يُصبِح إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها ممكناً.
هذه التعديلات حتميّة إن في ما يتعلّق بمقاعد الاغتراب الستّة (التي لا مراسيم تطبيقيّة لها)، أو البطاقة الممغنطة، إذا طُبّق القانون كما هو.
يحتاج أيضاً إلى تعديلات حتميّة إذا تمّ تعليق العمل بالمقاعد الستّة في الخارج، وأُقرّ تصويت غير المقيمين في الخارج للنوّاب الـ 128، وتمديد مهلة تسجيل المغتربين حتّى 15 كانون الأوّل، ومن أجل إلغاء البطاقة الممغنطة، واعتماد مراكز اقتراع كبرى خارج الدوائر الانتخابيّة مع نظام التسجيل المُسبق، كما ورد في مشروع القانون.
تكسير رؤوس
إذاً الرئيس برّي أمام خيار حتميّ هو الدعوة إلى جلسة عامّة لإقرار تعديلات على القانون، كي يمهّد الطريق أمام وَعد السلطة بإجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها، وبغضّ النظر عمّا إذا أدرَجَ أو لم يُدرِج مشروع قانون الحكومة على جدول الأعمال.
هنا تحديداً ستُخاض معركة تكسير رؤوس ضمن سياق محاولة الفريق المُعارض لبرّي، وعلى رأسه حزب القوّات اللبنانيّة، إيصال رسالة مباشرة له، مجدّداً، بأنّه فقد مفتاح إدارة الأكثريّة داخل مجلس النوّاب، مع حليفه “الحزب”.
نكسة في السّراي
إذا تمّ الاتّكاء على نقاشات الكواليس التي سبقت انعقاد جلسة الحكومة وانتهت بتصويت 17 وزيراً على إحالة مشروع القانون، فقد أفضى ذلك إلى خيبة في عين التينة بعد وعد رئاسيّ من القصر بعدم تصويت وزيرَين محسوبَين على رئيس الجمهوريّة لمصلحة الإحالة التي كانت تحتاج إلى الثلثين، وليس فقط الأكثريّة. لكنّ هذا الأمر لم يحصل، وهو ما عدّه الفريق الشيعيّ انقلاباً، بدفع من الرئيس سلام، خصوصاً أنّ كلّ الوزراء الشيعة صوّتوا ضدّ.
تصويت مضمون؟
يُلوّح معارضو برّي اليوم بأنّ معركة الأكثريّة ستنتقل إلى مجلس النوّاب، و”هي مضمونة” بحكم التوازنات القائمة، إذ يُعارض المشروع فقط الثنائيّ الشيعيّ، من دون أن تُعرَف الوجهة النهائيّة بعد للتيّار الوطنيّ الحرّ.
يقول نائب “القوّات” جورج عدوان في تصريح تلفزيونيّ إنّه إذا “كان الرئيس برّي يريد تطبيق روح الدستور فعليه أن يُحوّل مشروع القانون إلى الهيئة العامّة بأسرع وقت، ويطرحه على التصويت”، معتبراً أنّ “أيّ صياغة أخرى في النظام الداخليّ لمجلس النوّاب لا تنطبق على مسألة اقتراع غير المقيمين في الخارج، والانتخابات النيابيّة التي باتت داهمة”.
تكتسب المواجهة أبعاداً حسّاسة مع تلمّس الفريق الشيعيّ أنّ معركة قانون الانتخاب غير منفصلة عن معركة محاصرة هذا الفريق في ملفّ السلاح، ومعركة رئاسة مجلس النوّاب المقبلة، ومَن سيرث برّي في مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة.
لذلك تؤكّد معلومات أنّ “التسوية ستحصل، والمغتربين سيصوّتون من لبنان، مقابل إلغاء مقاعد الاغتراب الستّة. حتّى إنّ أشدّ معارضي برّي يُحضّرون قواعدهم الناخبة لهذا الخيار، الذي سيفرض بالتأكيد توفير أموال طائلة، لدى المعسكرَين، لاستقدام الناخبين من الخارج”.
برّي لن يَخضع: لا انتخابات من دون تسوية .






