يعود توم بارّاك إلى بيروت ليرتّب أمرين:
1- تفعيل “الميكانيزم”.
2- مساعدة الجيش ودائماً على مسألة نزع السلاح.
استمع المسؤولون إلى تصريحات بارّاك، ولذلك لا بدّ أنّهم أعدّوا العُدّة للإجابة عليها.
طريفةٌ ردّة فعل الإعلام الأميركي والإسرائيلي على حَدَثي الصخرة وحشود ملعب كميل شمعون. في الحدث الأوّل قال الإعلاميون من الطرفين إنّ الأمر ما كان يحتاج إلى حشود عسكريّة ولا حتّى قوى الأمن الداخلي، بل تنحصر الحاجة بثلاثمئة شرطيّ من بيروت كانوا سيدفعون تلك المئات إلى الانهزام والهرب، وتنتهي المسألة من غير اهتزاز من أيّ نوع.
بالطبع ما كان هناك داعٍ للاحتفاء بقائد الجيش على إنجازٍ مدَّعى أو لم يقُم به. ما دامت علاقاته مع مسؤولي “الممانعة” على هذا المستوى من المودّة كان يمكن التفاوض معهم سرّاً على عدم إحراجه! لذلك ينبغي التفكير أيضاً في ما وراء هذا التخاذل الذي عمره سنوات وسنوات. هل يمكن الاعتماد عليه في المستقبل؟
أمّا الحدث الثاني في الملعب الرياضيّ فينبغي أن يعرف اللبنانيون أنّ هذا التحريض المحتشد يهدّد أمنهم وأمن بيروت المستباحة دائماً وليس أمن إسرائيل! استغرب صحافيّان إسرائيليّان تصريحات رئيس الحكومة نوّاف سلام لقناة الميادين، وكأنّه نادمٌ على سلوكه الصارم، ويريد المنافسة على الإرضاء.
ذكرنا اهتمامات الأميركيّين وهم يتابعونها بإلحاح، ولا ندري ماذا يستطيع المسؤولون أن يجيبوا أو يفعلوا. لنسأل الرئيس نبيه برّي وقد قال إنّ ما يطالب به النوّاب يعزل الطائفة الشيعيّة. طيّب، لم يقُل لنا بوضوح هل هو مع حصريّة السلاح وإنفاذ القرار؟ وإذا لم يكن أفلا يعني ذلك أنّه يعزل بقيّة المواطنين المسيحيّين والسنّة؟!
أقول ذلك لأنّ همَّ اللبنانيّين الرئيس هو نزع سلاح “الحزب” الذي لا تقوم دولةٌ بدونه. دولتنا لم تقُم بعد وإن تكن هناك آمالٌ بقيامها مع العهد الجديد. هناك عدّة بلدان كانت فيها دول، لكنّها انكسرت أو ضعُفت وانقسمت بسبب التنظيمات المسلّحة التحريريّة والانتصاريّة على أرضها، ونحن من تلك البلدان أو الدول.
لماذا يعود بارّاك؟
يعود توم بارّاك بمهمّةٍ جديدةٍ/قديمةٍ إلى لبنان. كان فرقاء سياسيّون لبنانيّون قد اعتبروه مصروفاً من إدارة دونالد ترامب عن الملفّ اللبنانيّ. الشيء نفسه قالوه عن مورغان أورتاغوس، لكنّها ذهبت ثمّ عادت لتهتمّ بعمل “الميكانيزم” في جنوب لبنان أو بين لبنان وإسرائيل. لا يبدو أنّ أورتاغوس مصروفة حتّى عن بيروت والاجتماعات مع المسؤولين اللبنانيّين الثلاثة.
ما هو همُّ المسؤولين الأميركيّين؟ استطراداً، ما هو اهتمامنا نحن اللبنانيّين إذا كانت لاهتماماتنا أهمّيّتها في هذا الموقف العاصف والمتقلّب بالمنطقة؟
همُّ المسؤولين الأميركيّين هو إسقاط التهديدات التي يرون أنّ الحزب المسلَّح ما يزال يشكّلها على إسرائيل! الفريقان، الإسرائيلي والأميركيّ في موقع القوّة. لكنّنا صرنا نعرف سياسات الرئيس ترامب: العصا أوّلاً ثمّ في المرحلة الثانية الجزرة مع استمرار التلويح بالعصا.
العصا حاضرة
في هذه المرحلة الثانية ما تزال العصا حاضرة وتتمثّل في إغارات القتل والتخريب اليوميّة في الجنوب والبقاع. أمّا الجزرة التي تبتعد شيئاً فشيئاً فتتمثّل في المهلة التي أعطَوها للرئيس جوزف عون والحكومة لإنفاذ قرار حصريّة السلاح.
تبيَّن أنّ المهلة ما جرى استغلالها، وتحجّج المسؤول أو المسؤولون بالخوف من الاهتزاز الأمنيّ والسياسيّ إذا كان هناك إقدامٌ على إنفاذ القرار أو القرارات بحصريّة السلاح. أمّا الحجّة الأخرى فهي أنّ الجيش لا يمتلك القدرات التي تؤهّله لجمع السلاح أو انتزاعه.
الحجّة الأولى (الاهتزاز الأمنيّ والسياسيّ والخطر على السلم الأهليّ) لم يقتنع بها الأميركيّون بالذات، لكنّهم سارعوا إلى تقديم مساعدات إضافيّة للجيش من أجل التأهيل والإقدار. ترافقت مع ذلك خطوات لإعادة عمل وفعّاليّة “الميكانيزم”، ثمّ تصريحات بارّاك الأخيرة ذات الطابع الساخر والتهديديّ.
ليس ضروريّاً وليس مؤقّتاً
كنّا نتعزّى بأنّ السوريّين وجودهم ضروريّ ومؤقّت. لكنّ سلاح “الحزب” ليس ضروريّاً لأنّه يعني بقاء الاحتلال الإسرائيلي على أرضنا. وليس مؤقّتاً لأنّنا لسنا بحاجةٍ إليه مع وجود الجيش الوطنيّ. لسنا بحاجةٍ إليه أيضاً وأيضاً لأنّه متغلغلٌ في الفساد والإفساد واستغلال القوّة لاستمرار الحصول على المكاسب غير المشروعة.
إنّ همّنا نحن اللبنانيّين أن تزول دويلة السلاح والمخدّرات والابتزاز لكي تقوم دولة المواطنة التي ثار اللبنانيون مرّتين من أجلها (2005 و2019). ثمّ لننظر في الآثار الحاضرة للطائفة المعزولة، بحسب الرئيس برّي، على العدالة وعلى العلاقة مع سورية الجديدة.
لا أتصوّر نهايةً مقبولةً (لا عادلةً!) لجريمة المرفأ، ولا أتصوّر نهايةً للتوتّر على الحدود مع سورية الجديدة إن بقي “الحزب المتأيرن” الرابض على تلك الحدود بتكليفٍ من إيران مصرّاً على مواجهة النظام الجديد. عندنا عشرات الملفّات التي تحتاج إلى معالجة مع سورية منذ أيّام بشّار الأسد وحافظ الأسد، فلماذا هذه النرفزة في العلاقة مراعاةً لخاطر “الحزب” وإيران؟ لماذا هذا النواح على تحالف الأقليّات المسؤول عن مقتل الآلاف من اللبنانيّين والسوريّين؟
همُّ الأميركيّين إزالة التهديدات لأمن إسرائيل مع أنّها صارت شبه وهميّة. أمّا التهديدات الحقيقيّة من جانب السلاح غير الشرعي فهي للوطن والمواطنين والدولة. فلنخرج من السلاح غير الشرعيّ لكي يولد الوطن من جديد.
بارّاك عائد: لا يمكننا الاعتماد عليكم .




