– بسام الحسن يطل من بيروت على قضية الصحافي الأميركي أوستن تايس
في «أول الكلام» وآخِره الذي أطلقته من بيروت، أعلنت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، الترحيب بقرار الحكومة اللبنانية «وضْعِ جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة بحلول نهاية السنة»، مؤكدة أنه «يتعين على الجيش الآن تنفيذ خطته بشكل كامل».
وجاء موقف أورتاغوس، خلال مشاركتها في الاجتماعِ الذي عقدتْه لجنةُ الاشراف على تطبيق اتفاق وقف الأعمال الحربية (الميكانيزم) بين لبنان واسرائيل والذي جاء على وقع ضبابيةٍ لفّتْ خلاصاتِ اجتماعاتها، كما مدير المخابرات المصرية حسن رشاد، مع كبار المسؤولين، وإن تَقاطعتْ المَهمّتان عند ضرورة تَفادي انزلاقِ الوضع في الوطن الصغير إلى الانفجار الكبير ووَضْعِ نفسه على سكة «سلام غزة» وقطاره الذي انطلق من شرم الشيخ، مع استكشافِ الآلياتِ الكفيلة ضمانِ التنفيذ السريع لقرار سَحْبِ سلاح «حزب الله» وبلوغ حلّ مستدام على خط بيروت – تل ابيب عبر تفاوضٍ لم يَتبلْور بعد شكلُه النهائي ولا إطاره، وإن كان «مبدأه» بات شبه مسلَّم به.
واكتسب موقف أورتاغوس أهميةً مُضاعَفة لأنه جاء في بيانٍ نادرٍ وزّعتْه السفارة الأميركية عن اجتماعِ «الميكانيزم»، اللجنة الخماسية التي يترأسها جنرال أميركي وتضمّ ممثلين عسكريين لكل من فرنسا واسرائيل ولبنان و«اليونيفيل»، والأهمّ في ضوء توقُّفِ أوساط سياسية عند أن الموفدة الأميركية أعطتْ إشارةً ملتبسةً حين ذكّرت بقرار حكومة الرئيس نواف سلام (في 5 أغسطس) بحصْر السلاح بيد الدولة أي سحب سلاح «حزب الله» بحلول نهاية السنة، معتبرة، أي اورتاغوس، أنه يتعين على الجيش اللبناني الآن تنفيذ خطّته بشكل كامل.
ولم يُعرف وفق هذه الأوساط، هل تَعتبر اورتاغوس أن سَحْبَ السلاح يجب أن يَحصل قبل نهاية السنة وفق «القرار الأصلي» للحكومة، أم أنها بحديثها عن خطة الجيش توفّر غطاءً معلناً للبرنامج الذي قدّمته المؤسسة العسكرية في سبتمبر و«رحّبت» به حكومة سلام وتَضَمَّنَ مساراً مُمَرْحَلاً حُدّد معه آخِر ديسمبر موعداً لانتهاء المرحلة الأولى في جنوب الليطاني.
وحينها، بدت هذه الخطوة «التراجُعية» محاولةً من لبنان الرسمي لتوفير فسحةٍ من الوقت لتأمين ظروفٍ تتيح إطلاق مَسارٍ متوازٍ يبدأ بوقف اسرائيل اعتداءاتها وتعهُّدها بالانسحاب من النقاط التي ما زالت تحتلّها في جنوب لبنان وإطلاق الأسرى من ضمن عمليةٍ مُمَرْحلة ومجدولة زمنياً وتزامُنية ويشكّل تفكيك ترسانة حزب الله محورها الرئيسي، وهو ما كان جوهر ورقة الموفد الأميركي توماس براك التي أقرّت الحكومة اللبنانية أهدافها ولكن تَقاطَع كل من تل ابيب والحزب على رفْضها كل لاعتباراته.
واستوقف الأوساط أيضاً، كشْف البيان عن 4 اجتماعاتٍ جديدة ستعقدها اللجنة«قبل نهاية السنة»، متسائلة – رغم ربْط ذلك«باتفاق الأعضاء على تنظيم الاجتماعات بشكل أكثر منهجية»- هل ينطوي الأمر على تَرابُطٍ مع«مهلة نهاية السنة لوضْعِ جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة»، بمعنى تعزيز دور«المكيانيزم» الرقابيّ على تنفيذ قرار الحكومة وفق التفسير«الجديد» لاورتاغوس، علماً أن السفارة الأميركية وضعت اجتماع أمس في الناقورة تحت عنوان«مراجعة التقدم الذي أحرزه الجيش اللبناني في الحفاظ على ترتيبات وقف الأعمال العدائية، وتعزيز جهود نزع السلاح في لبنان».
كذلك شخصتْ الأنظار على الاجتماع الذي حمل الرقم 12 لـ«الميكانيزم»، باعتبار أن ما تَكَشَّفَ عن محادثات اورتاغوس مع المسؤولين السياسيين، أَظْهَر أنها لا تمانع تطوير عمل اللجنة لتتحوّل إطاراً لتفاوضٍ – يمكن للبنان تسميته غير مباشر بمعنى أنه لا يَقتصر على ممثلين عن بيروت وتل ابيب – تصرّ واشنطن على أن يَرتقي إلى مستوى دبلوماسي أو أقلُّه مدني فيشكّل منصةً نحو اتفاقٍ على حلّ دائمٍ، من دون أن يُعرف بعد موقف اسرائيل من مثل هذا الطرح ولا إمكان قبول لبنان بإشراك غير عسكريين، ناهيك عن الغموضِ حيال هل يكفي هكذا «وعاء» لشقّ طريق تسويةٍ مستدامة أم أن ذلك يَقْتضي قنواتٍ أوسع شبيهة بالرافعة التي استولدتْ اتفاق غزة ليكون«الميكانيزم»هو الإطار التنفيذي.
لجنة «الميكانيزم»
وبحسب البيان عن اجتماع لجنة «الميكانيزم» التي استضافتْها اليونيفيل، فقد «ضمت كلاً من الجنرال الأميركي جوزف كليرفيلد، رئيس اللجنة، والمستشارة أورتاغوس، بالإضافة إلى ممثلين كبار من جميع الوفود. وقد أكد جميع الأعضاء التزامهم المشترك بدعم الاستقرار في لبنان، واتفقوا على تنظيم الاجتماعات بشكل أكثر منهجية (…)».
وقال كليرفيلد «إن إضفاء الطابع الرسمي على جدول الاجتماعات يضمن توافق جميع المشاركين، واطّلاعهم الكامل، واستعدادهم لتقديم تحديثات شفافة إلى المجتمع الدولي. إن هذا النهج يعزّز الكفاءة العملانية ويبني الثقة المشتركة الضرورية لتحقيق السلام الدائم في لبنان».
وأضاف «إن احترافية الجيش اللبناني والتزامه جديران بالملاحظة. لقد شاهدتُه ينفّذ مجموعةً واسعةً من العمليات، بدءاً من توفير الحماية لعمليات حصاد الزيتون وصولا إلى تنفيذ عمليات معّقدة لتحديد موقع منشأة تحت الأرض، تفكيكها، وتحييدها، والتي يُعتقد أنها كانت تُستخدم من قِبل جهات خبيثة. يعكس أداء الجيش اللبناني هذا قوّته وعزيمته الراسخة لتأمين مستقبل وطنه».
وتابع البيان «خلال اجتماع اللجنة، قدّم الجيش اللبناني تحديثاً عملانياً مفصلاً، مسلطاً الضوء على عمليةٍ حديثة لتطهير منشأة تحت الأرض بالقرب من وادي العزية، حيث أسفرت العملية عن استطلاع شامل للمنطقة، مع التخطيط لإعادة زيارتها لاحقاً. وأشاد الجنرال كليرفيلد باحترافية الجيش اللبناني وانضباطه».
كما بحثت اللجنة «فرص التخفيف المستمر من انتهاكات ترتيبات وقف الأعمال العدائية. واتفق المشاركون على أن تظل هذه المسألة بنداً ثابتاً على جدول أعمال جميع الجلسات المستقبلية، باعتبارها جزءاً من الجهد الجَماعي للحفاظ على السلام وتعزيز المساءلة في إطار ترتيبات وقف الأعمال العدائية».
وختم البيان «لا تزال لجنة الإشراف على وقف الأعمال الحربية (الميكانزم) تضطلع بدور محوري في رصد الالتزامات التي تعهد بها كل من إسرائيل ولبنان، والتحقق منها، والمساهَمة في إنفاذها».
اجتماع أمني
وعلى وهج هذا العنوان الساخن، شهدت بيروت انعقاد اجتماع أمني بين وفد من وزارة الداخلية السورية وعددٍ من ضباط المديرية العامة للأمن العام والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان.
وأعقب هذا الاجتماع استقبال وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار الوفد يرافقه وزير الاعلام السوري حمزة المصطفى.
وأشار الحجار، إلى أن «عدداً كبيراً من النازحين السوريين موجود لدينا، وهناك مصالح مشتركة بين لبنان وسورية»، موضحاً «أننا وضعنا اسساً لتنسيق مباشر بهدف مكافحة المخدرات، ونأمل أن تكون زيارة نقطة انطلاق لمزيد من التعاون».
من جهته، أكد المصطفى «أننا ننظر نحو المستقبل وحريصون على حل المشاكل مع لبنان بأكمله، وعلى إنشاء علاقة تعاون معه»، مشدداً على أن «استقرار سوريا يصب في مصلحة لبنان».
مصير الصحافي تايس
وترافق الاجتماع مع تفاعُلٍ إعلامي لتقرير بثّته محطة «سي ان ان» حول مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في عام 2012، وفيه أن مراسلة الشبكة ” كلاريسا وارد سافرت إلى سورية لمعرفة ما حدث قبل أن تنجح في الحديث مع ضابط استخبارات سابق تم إحضاره لاستجواب تايس، وصولاً لكشفها وبالفيديو لقاء اللواء بسام الحسن، المستشار المقرب من بشار الأسد (والذي كان يحتجز تايس) في بيروت أخيراً.
وأعلن الحسن في تصريحاته التي نُقلت عبر كاميرات خفية أن الأسد أصدر أمراً بإعدام تايس، وقال «بالتأكيد، أوستن مات. أوستن مات»، مؤكّداً أنه هو من سلّم أمر الإعدام لأحد القياديين في «الدفاع الوطني».
وأضاف الحسن «لا أريد حماية بشار الأسد لأنه تخلّى عنا، ولا أريد حماية روسيا أو إيران، فهذه القضية تتعلق بالرئيس بشار فقط».
ووفق التقرير وعن كيفية «العثور» على الحسن، أنه في سبتمبر حصلت «سي إن إن» على صورة حديثة له، ومعلومات عن مكان اختبائه – في مجمع سكني راقٍ في إحدى ضواحي بيروت.وأمضى فريق الشبكة أمسيةً في مراقبة المباني «وبدا أن إحدى الشرفات، ورجلاً واحداً تحديداً، يتطابقان مع الصورة. في صباح اليوم التالي، طرقت سي إن إن بابه وسألته عن تايس. دعاهم للدخول بمجرد سماعه اسمه».
وخلال المحادثة «بدا الحسن منزعجاً من عثور الشبكة عليه، وسأل مراراً من أخبرهم بمكان إقامته».
وأوضح للشبكة الأميركية أنه «أبلغ فريقاً من مكتب التحقيقات الفيديرالي (أفل بي آي) أخيراً بأنه كان يحتجز تايس عندما أمره الأسد بإعدامه» بعد محاولة فرار فاشلة من زنزانته وأنه حاول إقناع الأسد بعدم تنفيذ الإعدام، لكن الأخير أصرّ.
ووفق التقرير فإنه في 2023، أصدر المدعون الفرنسيون مذكرة اعتقال بحق الحسن والأسد وآخرين بتهمة التواطؤ في جرائم حرب تتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في أغسطس 2013. وفرضت عليه المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات في 2011، والولايات المتحدة عام 2014.
«الميكانيزم» طاولة للتفاوض… وأورتاغوس لحصر السلاح «مع نهاية السنة» .





