تلقّت مبادرة التفاوض مع إسرائيل ضرباتٍ متتالية في اليومين الفائتين، كان أبرزها الكتاب الذي أرسله “حزب الله” إلى الرؤساء الثلاثة، مؤكِّداً فيه رفضه مبدأ التفاوض في ظلّ استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، وعزمه على متابعة خيار “المقاومة” حتى النهاية. ويبدو أنّ شدّ الحبال بين رئيسَي الجمهورية والحكومة، المؤيِّدَين للتفاوض ولحصر قرارَي السلم والحرب بيد الدولة اللبنانية من جهة، وموقف “الحزب” المتمسّك بسلاحه من جهة أخرى، سيستمرّ حتى إشعارٍ آخر.
أمام هذا الصراع المستفحل، تتفاوت حماسة المرجعيات المسيحية الروحية والسياسية حيال مسألة التفاوض، وتتّجه الأنظار إلى بكركي التي لا تحبّذ عادةً التدخّل في مثل هذه التفاصيل السياسية. غير أنّ مصادر مقرّبة منها تؤكّد أنّها تؤيّد أيّ موقف تتخذه الدولة اللبنانية، سواء ذهبت إلى التفاوض أم امتنعت، لافتةً إلى أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يؤيّد كلّ ما يفضي إلى السلام والوئام بين الشعوب والدول، شرط أن يكون هذا السلام مبنياً على أسسٍ متينة تحفظ حقوق وكرامة كلّ دولة وكلّ شعب، بعيداً عن منطق الهيمنة والاستقواء.
ووفق المصادر المقرّبة، ترحب بكركي بأيّ موقف تتخذه الدولة اللبنانية، ولا سيّما من خلال الواجهة الحكومية، باعتبارها تحظى بثقة المجلس النيابي الذي يمثّل الشعب اللبناني مجتمعاً.
أمّا المفاجأة في هذا الملف، فهي موقف “القوّات اللبنانية” التي تؤكّد مصادرها أنّ الأولوية هي لنزع سلاح “حزب الله”، متسائلةً:”ما قيمة أيّ تفاوض إذا لم تكن قادراً على ترجمة الاتفاق الناتج عنه؟”، مشيرةً إلى أنّ التفاوض غايته الوصول إلى حلّ أو تسوية، لكن طالما أنّ “الحزب” متمسّك بسلاحه، فهذا يعني أنّ هناك استحالةً لتطبيق ما سيُتَّفق عليه في أيّ مفاوضات.
وتنتقد مصادر “القوّات” الكتاب الذي أرسله “الحزب” إلى الرؤساء الثلاثة، وخصوصاً أنّه اعتبر القرار الذي اتخذته الحكومة في 5 آب “خطيئةً تخدم العدوّ”، متهماً رئيسَي الجمهورية والحكومة بالخيانة، ثم يعلن في الوقت نفسه أنّه سيواصل “المقاومة” ويرفض مبدأ التفاوض. وتلفت هذه المصادر إلى أنّه في ظلّ تعنّت “الحزب”، ترى “القوّات” أنّ الأولوية هي لنزع سلاحه، إذ إنّ أيّ تفاوضٍ في ظلّ استمرار السلاح هو مضيعةٌ للوقت، لأنّ هدف التفاوض أولاً وأخيراً هو تطبيق ما يتمّ الاتفاق عليه، فكيف يمكن تطبيقه إذا أصرّ “الحزب” على الاحتفاظ بسلاحه؟
وتوضح المصادر القواتية أنّ إسرائيل لن تأخذ المفاوضات بجدّية إذا جرت قبل نزع سلاح “الحزب”، وستسأل الجانب اللبناني:”هل أنتم قادرون على تنفيذ ما اتُّفق عليه؟”، مؤكّدةً أنّ شكوك إسرائيل ستكون مبرَّرة لأنها ترى أنّ الدولة اللبنانية فشلت طوال عامٍ كامل في تطبيق بند نزع السلاح.
وتستغرب مصادر “القوّات” موقف “الحزب” الذي رفع مستوى المواجهة بكتابه الأخير، فيما هو بحاجةٍ إلى كسب الوقت، وكان من مصلحته القبول بالتفاوض، والأغرب أنّه غير قادرٍ على المواجهة، ومع ذلك يُبدي استعجالاً في الذهاب إليها.
من جهة “التيار الوطني الحر”، تفيد مصادره بأنّه يؤيّد مبدأ التفاوض، سواء أكان مباشراً أم غير مباشر، لكنّ المضمون بالنسبة إلى “التيار” هو الأهم، أي أن تكون هناك ورقةٌ لبنانية متَّفَق عليها، ناتجة عن إرادةٍ جامعة، تُحدّد مصلحة لبنان وحقوقه وآلية وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وتأمين انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، ووقف عمليات الاغتيال، وصولاً إلى تحرير الأسرى وتحقيق المكاسب الكيانية الكبرى.
وقد سبق لرئيس “التيار” النائب جبران باسيل أن تناول هذا الموضوع، مشيراً إلى أنّ التفاوض يجب أن يتمّ مع الأخذ في الاعتبار تحصيل حقوق لبنان الكيانية، مثل معالجة مسألة النزوح السوري والوجود الفلسطيني، مؤكّداً أنّ هناك حاجةً إلى تأمين كلّ الحقوق اللبنانية عبر تثمير مكامن القوّة وعدم التفريط بها مجاناً.
بمعنى آخر، يريد “التيار” السلام لا الاستسلام، وفقاً لمصادره، أي السلام الحقيقي القائم على الحقوق، والمبني على بسط السيادة اللبنانية وتجنّب أيّ حربٍ عدوانية إسرائيلية.
وأخيراً، فإنّ موقف حزب “الكتائب اللبنانية” لا يبتعد عن المزاج المسيحي العام، وربّما هو الأقرب إلى موقف “القوّات اللبنانية”، إذ يدعو السلطات الرسمية إلى الحسم والحزم في ملفّي السلاح والتفاوض، رافضاً أن تستأثر أقليةٌ مرتهنة لإيران بتقرير مصير أكثريةٍ حرّة.
في أي حال، لا يبدو أنّ لبنان جاهزٌ لخوض غمار التفاوض مع إسرائيل، وخصوصاً أنّ سلاح “الحزب” لا يزال يشكّل عائقاً أمام فاعلية القرار الرسمي، حتى ولو أكّد الرئيس سلام أنّ قرار السلم والحرب بيد الدولة اللبنانية، إذ تبقى هناك هوّةٌ بين الأقوال وترجمتها إلى أفعال.
القوات: لا للمفاوضات قبل نزع السلاح.. والتيار مع ورقة جامعة .








