يستفيق جنوب لبنان كل يوم على حدث أمني. ولا تقتصر الغارات الإسرائيلية على منطقة الشريط الحدودي، بل تصل إلى البقاع. ولا تغادر المُسيّرات سماء لبنان وتخرق أجواء القصر الجمهوري، ما يشير إلى التصعيد القادم.
إذًا، دخل لبنان مدار الحرب الكبرى، وتخلّت الدولة اللبنانية عن سيادتها منذ ما قبل “اتفاق القاهرة”. وكانت الفرصة سانحة بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، لكن النظامين السوري والإيراني منعا الدولة من تطبيق أدنى واجباتها. ولم يف القرار 1701 بالغرض، وكان تطبيقه شكليًّا، واستغل “حزب الله” تضعضع الدولة ليبني منظومته في الجنوب والبقاع والضاحية ويُعزز الوجود الإيراني في لبنان.
لم تتعلّم الدولة اللبنانية الدرس، وعلى الرغم من هزائم حرب الإسناد وخسائرها الضخمة، لا تزال إيران تتحرّك بحريّة على الأراضي اللبنانية وتعيد بناء قدرات “حزب الله”، ولم توقف الدولة اللبنانية أي ضابط أو عنصر من الحرس الثوري الإيراني يخرق السيادة والقوانين اللبنانية.
وما يدعو إلى الاستغراب أكثر، هو عِلم الدولة اللبنانية بخطورة الوضع، من دون أن تتحرّك بالشكل المطلوب. ووصلت رسائل التنبيه من الأميركيين والأوروبيين والعرب، والجميع متفق على أن عدم نزع سلاح “حزب الله” الذي جرّ لبنان إلى الحرب سيؤدّي إلى حرب أكثر دموية وتدميرًا، خصوصًا أن إسرائيل تتصرّف من دون رادع ولا أحد يستطيع الوقوف في وجهها، وكل ما يفعله “حزب الله” هو منحها حجّة للإعتداء على الجنوب ولبنان.
ولا تقتصر رسائل التحذير على الأميركيين والأوروبيين والعرب، فقد وصلت أصداء عما قد يحصل إذا لم يسر لبنان وفق الأجندة المرسومة له إلى العاصمة الروسية موسكو، التي تُعتبر من الدول الكبرى التي تتابع شؤون الشرق الأوسط حتى لو ابتعدت موقتًا عن سوريا. وزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو تأكيد على موقع روسيا العالمي ومتابعتها ملفات المنطقة وعلى رأسها ملفا سوريا ولبنان.
ووسط المخاوف الدولية والعربية من انفجار الوضع في الجنوب بعد قراءة كل الأحداث التي تحصل، دخلت روسيا على خطّ التحذيرات، وتشير المعلومات لـ “نداء الوطن” إلى أنه صحيح لم تُبلّغ موسكو لبنان رسميًا بما قد يحصل ومعرفتها بخفايا الأمور العسكرية، لكن هناك قلقًا كبيرًا في العاصمة الروسية من تطور الأوضاع ووصولها إلى مرحلة تصعيد خطير في الجنوب.
ولا يقتصر الخوف الروسي على الجنوب، بل يشمل كل لبنان. ولا يتحدّث الروس عن توغل بري واحتلال أراضٍ لبنانية إضافية أو حرب على الطريقة التقليدية قد يستفيد منها “حزب الله” مثلما استفاد من حرب “تموز” 2006، بل هم قلقون من توسّع رقعة الاعتداءات وحجمها ونوعيتها خصوصًا أن تل أبيب تملك أحدث التكنولوجيا والأسلحة، ومنحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب كل ما تحتاجه ليس فقط لضرب “حزب الله” بل لمواجهة إيران.
ويشير أكثر من مسؤول في وزارة الخارجية الروسية، إلى أن لا حدود لاعتداءات إسرائيل عندما تقرّر توسيع رقعة الحرب، في ظل تغطية أميركية كاملة ورغبة واشنطن أيضًا في إنهاء ملفات الشرق الأوسط، وهذا الأمر مقلق جدًا لأن كل لبنان سيكون تحت مرمى الإعتداءات الإسرائيلية، ولن يكون هناك تعاطف دولي معه مثلما كان يحصل في المرّات السابقة، على اعتبار أنه قد مُنح أكثر من فرصة وأضاعها، وبالتالي هناك تقديرات روسية بأن لبنان قادم على سيناريو كارثي في حال لم يتمّ إبرام تسوية سياسيّة أو الوصول إلى حلّ جذري وإطلاق عجلة المفاوضات.
ترتبط ملفات لبنان بملفات المنطقة، وهذا ما يثير القلق الروسي لأن ترامب يتحدّث ويعمل وفق استراتيجية السلام بالقوّة، وقد تُستعمل هذه القوّة في لبنان مثلما جُرّبت في غزة. وتدلّ كل المؤشرات إلى أن لا حل نهائيًا في لبنان قبل حلّ مسألة غزة وسوريا، فإذا نجح اتفاق غزة قد ينسحب على لبنان إن تجاوب مع النصائح الدولية لكن الأمر يحتاج وقتًا لأن مسار غزة سلط طريقه لكن دونه عقبات كبرى، فهل يستمع لبنان إلى النصائح الروسية؟ أو تلقى مصير سابقاتها من نصائح الدول الحريصة على وطن الأرز؟
الروس يحذرون لبنان: لا حدود للعدوان الإسرائيلي .





