كما ذهبت “حماس” إلى عملية “طوفان الأقصى” من دون إعلام حليفها في المحور الإيراني “حزب اللّه”، خرجت من المواجهة أيضًا من دون إبلاغه والتنسيق معه. كما دخل “الحزب” في حرب المساندة كخيار لا بدّ منه في معركة لم يَختَرْ أو يشارك في توقيتها، خرج من هذه الحرب عمليًا في 27 تشرين الثاني 2024 من خلال موافقته على اتفاق وقف النار بكل مندرجاته من دون أن يعلم “حماس”. هذا الاتفاق ينصّ على نزع سلاح “الحزب” وإنهاء سيطرته وهيمنته على قرار الدولة اللبنانية، كما ينصّ اتفاق غزة على نزع سلاح “حماس” وإنهاء سيطرتها على القطاع. لا دخلا معًا ولا خرجا معًا. ولكن تجمعهما نهايات متشابهة تقريبًا.
كان “حزب الله” يحتفظ بكامل هيكليته القيادية في لبنان بشكل عام مع وجود قادة إيرانيين من فيلق القدس والحرس الثوري إلى جانبه هنا، ووجود قادة منه في إيران وسوريا، أيام النظام السابق، من أجل التنسيق وتوريد الدعم. على عكسه، كانت قيادة حركة “حماس” موزعة بين داخل القطاع ودول عدّة بينها قطر وتركيا ولبنان، والضفة الغربية.
كانت “حماس” هي التي تقود وتدير قطاع غزة وتسيطر عليه، وتمثل السلطة الرسمية منذ استولت عليها بالانتخابات ثمّ بطرد حركة “فتح” وقمعها والتنكيل بقادتها، منذ عام 2006 بعد عام تقريبًا على انسحاب إسرائيل من القطاع. بينما كان “حزب اللّه” في لبنان يتحرّك تحت سقف السلطة والدولة ويحاول منذ العام 1990 أن يكون القوّة الأساسية التي تدير الصراع مع إسرائيل وتدير الحكم في لبنان من خلال النظام السوري حتى عام 2005، ثمّ من خلال التحكّم بمسار تشكيل الحكومات والانقلابات الأمنية والعسكرية كما حصل مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2004، وبعد حرب تموز 2006، وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري بداية عام 2011 وصولًا إلى فرض الفراغ الرئاسي قبل التحكّم بعهد الرئيس ميشال عون بين عامي 2016 و 2022.
حتى يحيى السنوار
كما كانت إسرائيل تلاحق قادة “حماس” وتغتال عددًا منهم في لبنان، كانت تلاحق قادة “حزب اللّه” وتغتال عددًا منهم. منذ بدأت حرب “طوفان الأقصى” استطاعت إسرائيل أن تقضي على القياديّ في حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية في 2 كانون الثاني 2024، ثمّ اغتالت رئيس مكتب الحركة السياسي اسماعيل هنية في غرفة نومه في طهران في 31 تموز 2024، قبل أن تتمكّن من قتل قائد الحركة العسكري يحيى السنوار في 17 تشرين الأول 2024 في قلب قطاع غزة بعد خروجه من الأنفاق مع مجموعة صغيرة من مرافقيه وخوضه المواجهة وحيدًا. وقد اعتبرت إسرائيل أنها انتقمت من الحركة وحققت وعدًا قطعه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بالنيل من السنوار بعد تحميله مسؤولية عملية “طوفان الأقصى”.
بين التنسيق والمواجهة
جرت محاولات كثيرة للمقارنة بين “حزب اللّه” وبين حركة “حماس” في طريقة خوضهما الحرب والمواجهة مع إسرائيل:
• لم يدخل “حزب اللّه” الحرب الموسّعة لدعم “حماس”، ولم ينفذ من لبنان عملية اختراق للحدود واحتلال مناطق في الجليل كما فعلت “حماس” يوم 7 تشرين الأول 2023. ذلك أن “الحزب” كان فقد عنصر المفاجأة وتوجّس من إقدام السنوار على هذا الخيار من دون التنسيق معه وحتى من دون إعلام قيادة الحركة السياسية.
• علاقة “الحزب” بالحركة مرّت بمراحل صعبة ومراحل جيّدة نظرًا للاختلاف الديني أولًا ثمّ نظرًا للخلاف الكبير حول دعم النظام السوري. بينما وقف “حزب اللّه” مع النظام، قاتلت “حماس” ضدّه. حتى أنهما دخلا في مواجهة عسكرية مباشرة على الأرض في معارك القلمون السوري عام 2013، وخصوصًا في معركة احتلال “حزب اللّه” مدينة القصير التي حوّلها قاعدة عسكرية له.
وافق على نزع سلاحه
• بعد استقرار وضع النظام في سوريا بعد عام 2017، حاول “حزب اللّه” أن يعيد نسج العلاقة مع “حماس” من خلال الدعم الإيراني ونجح في ذلك ولكن من دون أن تمتدّ هذه العلاقة لتشمل كل قيادة “حماس”، كرئيس المكتب السياسي السابق في الحركة خالد مشعل الذي لم يستقبله الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله عندما زار بيروت في 15 كانون الأول 2021.
• على عكس الحركة، تمكّنت إسرائيل من اغتيال معظم قادة “حزب اللّه” منذ بدء حرب المساندة وصولًا إلى تفجيرات أجهزة البيجر واغتيال أمينيه العامَّين السيّدين حسن نصراللّه وهاشم صفي الدين، وقادته العسكريين وتدمير معظم ترسانته العسكرية وصواريخه ومسيّراته، بحيث بات عاجزًا عن الردّ بما يتناسب مع متطلّبات المعركة، الأمر الذي أدّى به إلى الإذعان لقرار وقف النار مع علمه أنه ينصّ على نزع سلاحه.
• كان “الحزب” يتمتّع بساحة مفتوحة أمامه ووراءه للحرب. بحيث لم يكن معرّضًا للحصار وبقيت تأتيه المساعدات العسكرية برًّا عبر سوريا. ومع ذلك، لم يستطع أن يقاوم في الحرب المباشرة بعدما بدأتها إسرائيل في 17 أيلول 2024 حتى 27 تشرين الثاني. لم يطلق بعدها أي طلقة، وإن كان لم يخضع بعد لقرار نزع سلاحه. بينما كانت حركة “حماس” محاصرة في قطاع غزة وتستفيد من شبكة الأنفاق التي أقامتها وتحتمي بالأسرى الإسرائيليين الذين ساهموا في منع الجيش الإسرائيلي من الحسم العسكري. وقد استطاعت أن تصمد وأن تملأ الفراغ العسكري الذي تركه اغتيال السنوار، ثمّ اغتيال عدد من القادة الآخرين. ويؤخذ على “الحزب” كيف أنه خرج من الحرب وترك “حماس” وحيدة. ولكن لم يكن عنده خيار آخر وكان يريد مخرجًا لهذا الخروج.
الساعة السادسة مساء الأحد
• في 4 تشرين الأول 2025 بعد عامين على “طوفان الأقصى”، أعلنت حركة “حماس”، موافقتها على إنهاء الحرب في غزة وتسليم السلاح ونقل السلطة إلى إدارة جديدة، وإدخال المساعدات، وتبادل الأسرى وانسحاب إسرائيل وفق خطة على مراحل وضعها الرئيس ترامب. وشكرت الوسطاء المشاركين في الاتفاق، قطر ومصر وتركيا، كما شكرت ترامب وثمّنت جهوده الساعية لإنهاء الحرب بشكل نهائيّ. وقد فاجأت الحركة “الحزب” بهذا الخروج خصوصًا لجهة التخلّي عن السلطة والسلاح والأسرى. الأمر الذي جعله غير قادر على تفسير ما حصل. بينما اعتبر أمينه العام أن “الخطة إسرائيلية بلبوس أميركي”، أعلن “الحزب”، في بيان أصدره، “دعمه وتأييده الموقف الذي اتخذته “حماس”، بالتشاور مع بقية فصائل المقاومة الفلسطينية، بشأن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”. وقد تكرّست هذه الخطة في قمة شرم الشيخ في 8 تشرين الأول بحضور الرئيس ترامب.
• لم تأت موافقة “حماس” إلّا بعد عاملين: فشل محاولة إسرائيل اغتيال قادتها الذين يتولّون التفاوض في قطر في 9 أيلول 2025، وتحديد الرئيس ترامب بعد ذلك مهلة لها تنتهي الساعة السادسة مساء الأحد 5 تشرين الأول 2025 بتوقيت واشنطن للموافقة على خطته. أضيف إلى هذين العاملين ضغط واشنطن على قطر وتركيا من أجل الضغط على قيادات “حماس” وتهديدهم بعدم السماح لهم بالبقاء فيهما.
ينتظرون موت ترامب ونتنياهو؟
سلّمت حماس الأسرى الإسرائيليين. ولكنها تحاول التملّص من الالتزام بموضوع تسليم السلاح والسلطة والتخلّي عن إدارة القطاع. “حزب اللّه” يعمل الشيء نفسه في لبنان من خلال محاولة التملّص من تنفيذ مندرجات اتفاق وقف النار ونزع سلاحه. يراهن كما الحركة على عامل الوقت وعلى احتمال حصول تغيير كبير قد يقلب المعادلات كتوقع موت الرئيس ترامب أو اغتيال نتنياهو أو وفاته أو خروجه من الحكم.
في المقابل، يتحرك الرئيس ترامب لتنفيذ خطته بين إسرائيل وحماس والدول العربية والإسلامية على وقع وعدِه بقيام دولة فلسطينية. وهو يلجأ إلى التهديد. “لقد أعطيت كلمتي للعرب”. قال مخاطبًا نتنياهو. وفي الوقت نفسه، هدّد “حماس” بجحيم قادم إذا لم تلتزم. التزام “حزب اللّه” لا يمكن أن يخرج عن التزام “حماس”. والتهديد الموجّه إلى الحركة يشمل “الحزب” أيضًا. التهديدات الأخيرة تصبّ في هذا الاتجاه وتدعو السلطة اللبنانية إلى تنفيذ ما التزمت به. المسألة تتعلّق بكلمة ترامب وبتحديده ساعة الصفر.
“الحزب” ودرس غزة و “حماس” وكلمة ترامب .




