“الحزب” شريك مضارب للدّولة في المفاوضات

تُظهر مجمل المعطيات المتّصلة بمستقبل لبنان القريب، سواء في مسار التفاوض أو في احتمالات الحرب وما يُطلب من الدولة اللبنانيّة لتفادي تصعيد إسرائيليّ، أنّ أيّ خطوات جزئيّة قد يُقدم عليها لبنان لن تكون كافية من وجهة النظر الإسرائيليّة. ليس المطلوب، وفق هذه المقاربة، إجراءات تدريجيّة أو محدودة، بل انتقال شامل وسريع إلى تنفيذ كامل الشروط الدوليّة، بما يشمل إعلان تحوّل “الحزب” إلى كيان سياسيّ فقط. غير أنّ هذا السيناريو لا يزال، حتّى اللحظة، بعيد المنال.

 

في تل أبيب كلام واضح أنّها لن تنتظر الجيش اللبنانيّ إلى الأبد، فيما يقوم الجيش بكلّ ما يستطيع جنوب الليطاني، بالتوازي مع بدء لبنان مرحلة التفاوض السياسيّ عبر تعيين السفير سيمون كرم، والسعي إلى تعيين مدنيّ ثانٍ من الطائفة الشيعيّة وثالث من الطائفة السنّيّة.

يوحي كلّ شيء بأنّ العام المقبل لن يكون عام التفاوض العسكريّ فقط، بل والتقنيّ والأمنيّ والسياسيّ والاقتصاديّ، لكنّه سيكون تحت نار ليست كتلك التي شهدناها في الحرب السابقة، إنّما عبر تكثيف الغارات “العميقة والموجعة” التي تطال أهدافاً تتعلّق بـ”الحزب”.

تعاون صامت؟

أعلن وزير الخارجيّة يوسف رجّي وصول رسائل تحذيريّة إلى لبنان تتحدّث عن تصعيد مقبل، ويتقاطع هذا الكلام مع كلام إسرائيليّ مماثل لا يتحدّث فقط عن عمل “الحزب” على ترميم بنيته التنظيميّة والعسكريّة في شمال الليطاني، بل يتحدّث أيضاً عن عودته إلى جنوب الليطاني.

في المقابل، تعمل الدولة اللبنانيّة على مستويَين، الأوّل عسكريّ والثاني دبلوماسيّ للخروج من دائرة الخطر:

– على المستوى العسكريّ: يقوم قائد الجيش العماد رودولف هيكل بأكثر من خطوة متقدّمة على مستوى المطالب الدوليّة، وتحديداً في جنوب الليطاني:

  • أوّلاً: قام هيكل بتنظيم جولة لوسائل إعلام أجنبيّة ولبنانيّة في أحد أنفاق “الحزب” في جنوب الليطاني، فاتحاً المجال للتصوير قبل أن يقدّم شرحاً مفصّلاً أمام الإعلام عن عدد الأنفاق التي سبق أن دخلها الجيش، بالإضافة إلى حصيلة عمله العسكريّ.

 

لم تأتِ هذه الجولة بشكل عفويّ، بل أتت بعد سلسلة مطالبات داخليّة وخارجيّة بإعلان صريح عن تسليم مخازن وتولّي الجيش السيطرة على كامل المناطق العسكريّة جنوباً. وأتت هذه المطالبات بعدما كان الجيش و”الحزب” يعملون معاً بعيداً عن الإعلام لأسباب مختلفة. فالجيش لا يريد افتعال حساسيّات وإشكالات داخليّة، و”الحزب” لا يريد إسقاط صورته أمام بيئته وأمام اللبنانيّين.

جاء توقيت هذه الجولة بعد إلغاء مواعيد هيكل في واشنطن، وكانت أحد التداعيات المباشرة لذلك، بعدما تكوّنت قناعة لدى السلطة اللبنانيّة بأنّ الأمور ليست سالكة، وبأنّ خطر انزلاق العلاقة الأميركيّة اللبنانيّة أصبح أكبر من القدرة على الاحتواء.

الجيش يُسجّل النّقاط؟

  • ثانياً: بدأ الجيش من خلال لجنة “الميكانيزم” بالدخول إلى المنازل التي يطلب الجانب الإسرائيليّ تفتيشها على اعتبار أنّها تحتوي أسلحة. وكان الجيش على مدى الأشهر الماضية قد رفض الدخول إلى هذه المنازل على اعتبار أنّها منازل مدنيّة لديها “حرمتها”، ولا يجوز دخولها إلّا بأمر قضائيّ، فكان بديل ذلك قصف إسرائيل لسلسلة من المنازل في عدد من القرى، بعد إطلاق إنذارات إلى السكّان بضرورة إخلائها.

في الاجتماع الأخير لـ”الميكانيزم”، كان البحث جدّيّاً في إمكان دخول الجيش، شرط أن يتمّ تسليمه بشكل دقيق مواقع المنازل ومقتنياتها ومدى حاجة الدخول إليها. وهذا ما يُعتبر أيضاً خطوة متقدّمة في تجاوب الجيش مع هذا المطلب القديم.

في بلدة يارون الحدوديّة، دخل الجيش إلى المنزل المطلوب تحت أعين عدسات الكاميرا، ليس فقط من خلال الإعلام الذي واكب سير العمليّة، بل من خلال كاميرا فُتحت أثناء القيام بالعمليّة لتستطيع لجنة “الميكانيزم” التأكّد من خلوّ المنزل من الأسلحة، وهذه الخطوة سُجّلت لمصلحة لبنان.

على المستوى الدّبلوماسيّ:

  • أوّلاً: قامت الدولة اللبنانيّة بتعيين السفير السابق سيمون كرم رئيساً للوفد اللبنانيّ إلى المفاوضات. وهذا كان نتيجة رسائل قاسية وصلت إلى القصر الجمهوريّ وعين التينة، وطالت مقرّبين من الدائرتين. إلّا أنّ هذه الخطوة لن تكون يتيمة، إذ تُشير معلومات “أساس” إلى نيّة رسميّة لتعيين مفاوض شيعيّ وآخر سنّيّ إلى جانب كرم، على أن تكون تسمية الشخصيّة الشيعيّة انطلاقاً من عين التينة. يريد لبنان من خلال هذه الخطوات تدعيم موقفه أمام المجتمع الدوليّ تحضيراً لاستقبال العام الجديد بحصانة دوليّة.
  • ثانياً: قام الجيش اللبنانيّ بتنظيم جولة لسفراء الدول المعنيّة بالملفّ اللبنانيّ إلى جنوب الليطاني. وإن كان مقرّراً أن تحصل هذه الجولة قبل أسبوعين، حمل توقيتها اليوم قبل نهاية العام رمزيّة دبلوماسيّة وعسكريّة استعداداً للعام الجديد.

تفشل الدّولة فينجح “الحزب”؟

تتحدّث مصادر دبلوماسيّة غربيّة لـ”أساس” عن أنّ إسرائيل ترى أنّ الخطوات التي يقوم بها لبنان غير قادرة على إنجاز المهمّة، لا سيما أنّ “الحزب” لا يزال غير معنيّ بالتفاوض، كما أعلن أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم.

في مقابل ذلك، تلقّت إسرائيل بجدّيّة رسالة قاسم في خطابه التي طمأن فيها المستوطنات الشماليّة الإسرائيليّة، وقرأت فيها استعداداً للتفاوض. لذلك تتحدّث كلّ المعطيات عن أنّ العام المقبل سيكون عام التفاوض، أكان ذلك مع الدولة أو مع “الحزب”.

في خلاصة البحث، وبالتزامن مع التحضير الإسرائيليّ لاستهداف مراكز وأهداف تابعة لـ”الحزب”، ستُقبل الدولة على استحقاق شديد الأهميّة لأنّ فشلها في إثبات قدرتها على التفاوض والحسم سيعطي “الحزب” أفضليّة في هذا الشأن ستكون لها تبعات أخرى على مستوى المشهد المقبل في البلد.

“الحزب” شريك مضارب للدّولة في المفاوضات .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...