لا يمكن اعتبار سحب سلاح “حزب الله” سلميّا أمرا محسوما أو مضمونا، رغم تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية اليومية والتحركات العسكرية الهادفة – وفق ما يُشاع – إلى فرض منطقة عازلة في جنوب لبنان. فمثل هذه المنطقة قد تؤدي إلى مزيد من التوتر والتصعيد، بدل أن تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار على جانبي الحدود. وفي ظل هذا المناخ المتوتر، يطرح السؤال: هل يمكن فعلاً إرساء السلام في لبنان؟ وأين يقف ملف حصرية السلاح الذي تعهدت الحكومة بمعالجته عبر خطة وضعها الجيش اللبناني؟
في صيف 2025، قررت الحكومة اللبنانية إعداد خطة شاملة لنزع سلاح جميع الميليشيات، بما فيها “حزب الله”. غير أن الحزب رفض القرار في شكل قاطع، محذراً من أن أي محاولة لفرض نزع السلاح بالقوة قد تؤدي إلى زعزعة الأمن الداخلي، ودافعت إيران عن موقف حليفها. في المقابل، مارست قوى إقليمية ودولية ضغوطاً سياسية واقتصادية لدعم مسار نزع السلاح مقابل حوافز اقتصادية للبنان.
يرى مراقبون أن نزع السلاح سلمياً ممكن فقط في حال توافر حزمة متكاملة من الضمانات الأمنية، وانسحاب إسرائيل من المواقع التي لا تزال تحتلها، إلى جانب دعم اقتصادي واسع وموقف إقليمي محايد من القوى الكبرى. أما في غياب هذه الشروط، فإن استمرار وجود السلاح الموازي للدولة يهدد بتحول الأزمة إلى صراع طويل الأمد ذي مخاطر تصعيد مرتفعة.
رغم إقرار الحكومة خططاً لتكريس حصرية السلاح بيد الدولة عبر مراحل ينفذها الجيش، يحتاج تطبيقها إلى غطاء سياسي وضمانات إقليمية ودولية غير متوافرة حالياً. وتشير مصادر مطلعة إلى أن السيناريو الأقرب هو التوصل إلى تسوية تفاوضية مرحلية، أو بقاء الوضع في حالة جمود سياسي مع خطر اندلاع مواجهات محلية إذا فشلت المفاوضات.
وتضيف المصادر أن الحل قد يأتي عبر تفاهم داخلي وخارجي يتضمن تبادلاً للضمانات الأمنية ومساعدات اقتصادية وتنموية، مقابل تعهدات إيرانية بتفكيك ترسانة الحزب تدريجا. ولكن في حال فشل التسوية وفرض الدولة قرارها بالقوة، قد يشهد لبنان صراعاً داخلياً يعطل مسار الإصلاحات والمساعدات الدولية.
تتعرض الحكومة اللبنانية لضغوط متزايدة لتنفيذ قرارها سحب السلاح غير الشرعي، في حين تواصل إسرائيل، بدعم أميركي، المطالبة بنزع سلاح الحزب من دون تقديم أي تنازلات مقابلة، ما يمنحه مبررات إضافية للتشبث بسلاحه. كما أن واشنطن لم تقدّم حتى الآن أي ضمانات أمنية للبنان.
ويرى خبراء أن تخلي “حزب الله” عن سلاحه سيبقى مطلباً دولياً أساسياً لمساعدة لبنان، وهو استحقاق وارد في اتفاق وقف إطلاق النار. إلا أن تحقيقه يعتمد على جملة من العوامل: تغيير في قيادة الحزب وإعادة النظر في استراتيجيته السياسية والعسكرية وتعزيز قدرات الجيش اللبناني لتمكينه من تنفيذ خطته الأمنية، والمطالبة بضغوط دولية وإقليمية متوازية مع حوافز اقتصادية وإعادة إعمار المناطق المتضررة، والتزام إسرائيل الانسحاب من النقاط التي تحتلها ووقف الهجمات.
ويشير المراقبون إلى أن أي اتفاق محتمل يقترن بانسحاب إسرائيلي شامل وبرنامج لإعادة إعمار الجنوب، قد يشكّل نقطة انطلاق لتسوية دائمة، شرط تعاون إيران وامتناع القوى الإقليمية عن تمويل أي تسلح مضاد. فالتفاوض، بحسب المصادر، قد يتيح للحزب الاحتفاظ ببعض مكاسبه السياسية، خلافاً للمواجهة التي قد تفقده شرعيته الشعبية وتدفع البلاد نحو الفوضى.
لكن معوقات عديدة تحول دون نزع السلاح، أبرزها: انتشار ترسانة الحزب داخل مناطق مدنية وزراعية، ما يجعل أي عملية تفكيك محفوفة بالمخاطر، واستمرار خطوط الإمداد بالسلاح والتمويل من إيران، وغياب الثقة بين الحزب والدولة اللبنانية.
أما على الجبهة الإسرائيلية، فبرغم قدرتها العسكرية على توجيه ضربات قوية للحزب، تواجه قيوداً سياسية وديبلوماسية تجعل أي عملية برية واسعة محفوفة بالمخاطر الإقليمية. لذلك، يُرجَّح أن تواصل إسرائيل تكثيف ضرباتها الجوية ضد مواقع قيادية وقوافل سلاح، في إطار استراتيجية الضغط، من دون الانزلاق إلى حرب شاملة مكلفة.
استكمال سحب سلاح الحزب يستلزم رُزمة ضمانات غير متوافرة .





