تُقرع طبولُ المنازلة الانتخابية في دائرة بعبدا التي تتمتّع بخصوصية معيّنة، محورها التعدّدية الحزبية والطائفية. غير أنّ أهمية هذه الدائرة تكمن في كونها تشكّل خطّ تماس بين الجبهتين السياسيتين الكبيرتين في البلاد؛ أي الجبهة السيادية المؤلّفة من “القوّات اللبنانية” و”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وحلفائهما من جهة، و”الثنائي الحزبي الشيعي” وحلفائه من جهة أخرى.
ولا شكّ في أنّ معركة السماح للمغتربين بالتصويت لـِ 128 نائبًا ترتبط بالدوائر الحسّاسة المختلطة طائفيًا. وقد كشف خبير يعمل في استطلاعات الرأي أنّ لدى “الثنائي الشيعي” معلومات تفيد بأنّ دائرة بعبدا ستكون “أمّ المعارك” بالنسبة إلى “القوّات اللبنانية” وحلفائها؛ إذ سيسعون إلى تحقيق خرقٍ في “البلوك الشيعي” في هذه الدائرة، وقد يشكّل تصويت المغتربين لـِ 128 نائبًا بيضة القبّان في هذا الإطار. وهذا ما ينسحب على الدوائر الأربع عشرة الأخرى. لذا يخوض “الثنائي الشيعي” هذه المعركة بوصفها معركة حياةٍ أو موت.
ويلفت خبير الاستطلاعات إلى أنّ الأرقام تتكلّم: ففي دائرة بعبدا ما لا يقلّ عن 164,222 ناخبًا، ينقسمون تقريبًا مناصفةً بين مسيحيين ومسلمين؛ إذ يبلغ عدد المقترعين المسيحيين نحو 84,000 ناخب، والمسلمين نحو 79,000 ناخب. وتتوزّع النسب على النحو الآتي: موارنة 36.8%، شيعة 25.2%، دروز 17.6%، روم أرثوذكس 7.61%، سُنّة 6.11%، روم كاثوليك 4.6%، ومختلف مسيحي 2.14%. أمّا عدد المقاعد فهو ستة، على النحو الآتي: ثلاثة موارنة، مقعدان شيعيان، ومقعد درزي واحد.
في الانتخابات السابقة، ساد التعادل بين “الثنائي الشيعي” و”القوّات اللبنانية”؛ إذ تمكّن كلّ من الطرفين من الفوز بمقعدين. وتشير خريطة التحالفات، وفق خبير استطلاعات الرأي، إلى أنّ هذه المعادلة يُرجّح أن تستمر كما كانت في العام 2022، حيث سيتحالف “الثنائي الشيعي” مع “التيار الوطني الحر”. لكن في ظلّ تراجع شعبية هذا التيار، فسيكون عبئًا على “الثنائي” بقدر ما هو عامل مساعد. وقد يُرشَّح حكمة ديب لهذا المقعد، إلا أنّه سيكون بحاجة إلى الرافعة الشيعية، وإلى إزاحة منافسٍ قويّ هو آلان عون. وستنصبّ جهود “الثنائي” على المحافظة على المقعدين الشيعيين.
الخرق الشيعي صعب المنال
أمّا “القوّات” و”الكتائب” و”الاشتراكي” و”الأحرار” وبعض المستقلين، فسيحاولون حصد المقاعد المسيحية والمقعد الدرزي، وتأمين خرقٍ في المقعد الشيعي، ولو كان صعب المنال، مستغلّين نقمة جزءٍ من بيئة “الثنائي” بعد الحرب.
من جهتها، ترى أوساط “القوّات” أنّه لا شيء اسمه “أمّ المعارك”، فكلّ دائرة لها خصوصيتها، علمًا بأنّ المواجهة ليست من طبيعة أكثريّة في ظلّ القانون النسبي، بحيث لا خسائر دراماتيكية؛ بل قد يتراجع فريق ويتقدّم آخر بنسبة معيّنة، وكلّ فريق سينال حصّته. وتشير الأوساط إلى أنّ معراب لا تريد التفريط بأيّ مقعدٍ مسيحي في بعبدا، لذلك ستكون المواجهة مسيحية في الدرجة الأولى.
وتؤكد أوساط “القوّات” أنّ البحث عن إمكانات الخرق في “البلوك الشيعي” يمكن أن يكون في بعبدا، كما يمكن أن يكون في دوائر أخرى مثل الجنوب الثالثة، وجبيل، وزحلة، والبقاع الغربي، والبقاع الشمالي، وبيروت الثانية… فكلّها قابلة لأن تكون طريقًا نحو الهدف المنشود.
وتعتبر الأوساط أنّ تمسّك “الثنائي الشيعي” بقرار منع تصويت المغتربين يشكّل معركة وجود بالنسبة إليه، خلافًا للدستور والأعراف والنظام الداخلي لمجلس النواب، خشيةَ أن تشكّل الكتلة الاغترابية مدخلًا إلى خرق “البلوك” المؤلّف من 27 نائبًا.
طبيعيّ أن يسعى كلّ فريقٍ سياسي إلى أن يكون عابرًا للطوائف في الانتخابات، فيضمّ نوابًا من مختلف الطوائف، وهذا ما تسعى إليه “القوّات” وتعتبره حقًّا مشروعًا. كما أنّ تصويت المغتربين سيساعدها على تحقيق هذا الهدف، علمًا أنّ حركة “أمل” تفعل ذلك منذ زمنٍ بعيد عبر ترشيحها ميشال موسى، الذي انتُخب في دوراتٍ عدّة نائبًا مسيحيًا وعضوًا في تكتّل “التنمية والتحرير“.
ليس سرًّا أنّ معركة دائرة بعبدا حسّاسة جدًّا، وقد تُغيّر التوازنات السياسية في المجلس النيابي في العام 2026
دائرة بعبدا أم المعارك…لماذا؟ .



