بعد “مصيلح” تل ابيب “تمسح” بيروت وجبل لبنان!؟

القراءة العميقة للاستكشاف الإسرائيلي الجوي تتجاوز النظريات السطحية الى ما يُدبّر لاحقاً للبنان إن لم تسبقها تفاهمات سياسية وديبلوماسية…وعليه لا يمكن تجاهل كم من عملية الغتها المخابرات الأميركية والعكس صحيح.

الروايات والسيناريوهات التي رافقت التحليق الإسرائيلي المكثف في الأجواء اللبنانية لم تتعمق كثيراً في جوانب دقيقة، يُتوقع ان تكون هدفاً له. وفي حسابات أطراف متعددة قرأته بطريقة تقليدية روتينية إن لم تكن سطحية، فإنّ في القراءات الدقيقة معلومات تثير القلق على ما يمكن أن تشهده الساحة اللبنانية إن تفلّتت الأمور من عقالها في أي وقت. وكل ذلك يجري في وقت غابت الضوابط التي تتحكّم بالعمل العسكري الإسرائيلي في لبنان.

ليس مستغرباً أن تفاجئ إسرائيل أعداءها والحلفاء بمزيد من العمليات العسكرية النوعية المفاجئة في لبنان او في أي مكان آخر، وفي أي لحظة نهارية او ليلية، بعدما بلغت بعملياتها الضاربة عمق العاصمة القطرية الدوحة بعد الحُديدة وصنعاء اليمنيتين ودمشق ومناطق مختلفة من سوريا ومواقع دقيقة في إيران، إن بقيت الأجواء في المنطقة مفتوحة أمام طائراتها الحربية بالعشرات ولا يعوقها أي عائق. فهي خرقت وما زالت، أجواء دول من دون استشارة أي من رؤسائها او استئذان مسؤوليها، بعد التنسيق ونيل الإذن المسبق من واشنطن دون سواها. ولذلك، فقد توسعت مراجع عسكرية وديبلوماسية في قراءتها لمختلف هذه العمليات، فاعتبرت انّ أخطرها تلك التي تُنفّذ منذ أيام فوق بعض المناطق اللبنانية، بعدما وسّعت من رصدها لمناطق جديدة كانت تشكّل معبراً إلى اخرى، من دون التركيز على أحيائها وزواريبها في الشكل الذي قامت به حديثاً في مناطق عدة من بيروت وجبل لبنان.

ولذلك، تعمقت هذه المراجع في البحث عن أسباب رصد محيط القصر الجمهوري في بعبدا والسراي الحكومي في وسط بيروت، فهي كانت وما زالت تغطي محيط عين التينة بنحو معتاد، من دون أن تصل إلى جواب أو تفسير يتعدّى الرسائل السياسية ولا ترقى إلى ما هو عمل أمني. لتنصرف بعد ذلك بحثاً عن الأهداف والرسائل التي رغبت تل ابيب في توجيهها إلى اللبنانيين والمهتمين بالملف اللبناني على حدّ سواء. وإن ربط المراقبون بين عملية الرصد هذه والعملية العسكرية التي استهدفت بلدة مصيلح، في خطوة وصفت بأنّها رسالة مباشرة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنّها أبقتها في آخر سلّم النظريات المحيطة بالخطوة. فالرئيس بري، وإن كان يملك قصراً في البلدة فإنّه متغيب دائم عنه منذ فترة طويلة تعدّت ثلاثة أعوام تقريباً، أي قبل أن تندلع الحرب في الجنوب.

على هذه الخلفيات، وبعدما تعددت المواقف والآراء السطحية في شأن ما يجري وما يمكن ان تحضّر له إسرائيل في المرحلة المقبلة، فإنّ قراءات متأنية رأت فيما حصل أكثر من رسالة وهدف، لا تُخفى على متتبعي السياسات الإسرائيلية وأهدافها ونياتها. ولعلّ من أبرزها ما يمكن ان ينسب إلى الجوانب التقنية والمتقدّمة كما العسكرية والأمنية. وكذلك برزها ما نُسب إلى مراجع معنية، كشفت انّ الهدف من هذه الجولات المركّزة بالطريقة المعتمدة على مسار واحد، أو فوق موقع او هدف واحد، توحي بأنّها تُجري عملية مسح شاملة لأكثر من منطقة قد تشكّل ملجأ لملاحقين من مواقع مختلفة، بحثاً عن المواصفات التقنية التي تستلزمها أي عملية.

وإن دخلت في التفاصيل، فهي تقول إنّها كانت لملاحقة شخص او أكثر دأب على تغيير موقع سكنه، أو بحثاً عن إحداثيات لأهداف متحركة تتعدّى كونها شخصيات عسكرية او سياسية مستهدفة، إلى مواقع مُحدثة، وقد وضعت على لائحة الأهداف الواسعة من دون القدرة على تقدير موعد هذا الاستهداف وشكله وحجمه. وعليه فإن كانت هذه الجولات الاستطلاعية بهدف المراقبة أو التنصت فحسب، فقد تكون توطئة لعملية قتل، وهي عملية خبرها المتتبعون للعمليات الهادفة إلى اغتيال مسؤولين بطريقة لا تؤذي محيطه. وفي مثل هذه الحالات، فإنّ العملية تستلزم مراقبة دقيقة ولفترة غير قصيرة لرصد شكل حركته والتثبت إن كانت له زيارات محصورة ومحدّدة، إن كانت شخصية مسؤولة ولها مركز عمل واحد على سبيل المثال، او انّه كان متشعب الاهتمامات ولا يستقر في مقر دائم.

وفي مثل هذه الحالات، تقول المراجع عينها، انّ العودة إلى الوراء تشي بأنّ مثل هذه التحضيرات سبقت مجموعة من الاغتيالات وفق المواصفات الآنفة الذكر، بعدما تعددت المراكز التي يتحرك من ضمنها قادة من “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني ومسؤولون فلسطينيون استُهدفوا من قبل في أماكن مختلفة قد لا تخطر على بال احد، ولا سيما منهم أولئك الذين استُهدفوا على الطريق بين بيروت والجنوب في مناطق عدة، كما بالنسبة إلى استهداف أحد المسؤولين في الحزب وله علاقات مميزة مع الحرس الثوري الإيراني على أوتوستراد جونية، وقد تمّ رصده في حركته الدائمة بين مناطق بعيدة بعضها عن بعض، أقلها بين بيروت والشمال وصولاً الى عكار، حيث كان يتحرك بحرّية تامة من دون ان يعلم أنّه مرصود بدقّة إلى أن تمّت عملية الاغتيال في توقيتها ومكانها المثالي، ولم تلحق ضرراً بالمدنيين الذين كانوا يحيطون به او أي شخص آخر.

وتضيف هذه المراجع، أن لا حاجة للتذكير بكل ما رافق عمليات الاغتيال التي استهدفت مسؤولي الحزب في أماكن متعددة خارج منطقة العمليات العسكرية في الجنوب، وهي شملت أيضاً مسؤولين من حركة “حماس” و”قوات الفجر” وقيادات أخرى لم تكن معروفة حتى من بين أفراد عائلاتهم، فيما تحفل الذاكرة الإلكترونية لإسرائيل بكثير من تفاصيل حياتهم اليومية وصفاتهم، حتى أولئك الذين عيّنوا حديثاً، وقد تسلّموا مسؤولياتهم قبل أيام قليلة من استهدافهم، كما حصل في عمليات نُفّذت في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت بعد اغتيال الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصرالله، والحديث عن إعادة تركيب الهيكلية الخاصة بالحزب وترميمها وسدّ الفجوات فيها.

وإلى هذه المعطيات الدقيقة المتبادلة على نطاق ضيّق، فقد أحيت المراجع المعنية بالذاكرة معلومات سابقة قالت إنّ المخابرات الأميركية وبتوجيهات مباشرة من الرئيس دونالد ترامب، سبق لها ان ألغت عمليات إسرائيلية أمنية دقيقة قبل لحظات من تنفيذها، وحالت دونها، فيما لم تفلح في أخرى، منها كتلك التي استهدفت السيد نصر الله او أنّها اكتشفتها في اللحظات الأخيرة ولم تتمكن من منع حصولها بفارق دقائق قليلة لا تسمح بإبلاغ المستهدف مباشرة، او عن طريق فريق ثالث، كما حصل في مناسبات عدة قد يُكشف عنها في وقت لاحق.

بعد “مصيلح” تل ابيب “تمسح” بيروت وجبل لبنان!؟ .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...