من الصعب، لا بل من المستحيل تجاهل منشور المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان توم برّاك، الذي نشره صباح أمس على تطبيق X ، والذي كان له وقْعُ الصاعقة على رؤوس المسؤولين اللبنانيين. فمسارعة رئيسي الجمهورية جوزف عون ومجلس النواب نبيه إلى الاجتماع على عجل صباح أمس عكس حالة قلق في الوسط الرسمي اللبناني الذي اكتشف مع كلام برّاك أن ساعة الحقيقة قد حانت بالنسبة إلى نزع سلاح “الحزب”، ولا سيما أن المسؤولين اللبنانيين قد نكثوا بوعودهم مرة تلو الأخرى.
من الواضح أن الثقة بالسلطات اللبنانية تتآكل بسرعة كبيرة، في ضوء الشعور بأن الدولة اللبنانية “كثيرة الكلام وقليلة الأفعال”! فحتى الآن فشلت الحكومة اللبنانية في معالجة مسألة سلاح “الحزب”، والدليل على ذلك قول توم برّاك “إن الولايات المتحدة قدّمت خطة سُمّيت “محاولة أخيرة” وهي إطار لعملية نزع سلاح تدريجية تحت إشراف أميركي وفرنسي، إلّا أن لبنان رفض اعتمادها بسبب تمثيل “الحزب” ونفوذه في مجلس الوزراء اللبناني”. أضاف المبعوث الأميركي في المنشور نفسه: “إن نزع سلاح “الحزب” هو فرصة لبنان للتجدّد، فهو يعني استعادة السيادة وفتح باب الانتعاش الاقتصادي”. ولعل أخطر ما جاء في منشور برّاك أنه حمل تحذيراً شديداً عندما قال: “إذا فشلت بيروت في التحرّك فإن الجناح العسكري للحزب سيواجه بلا شك مواجهة كبرى مع إسرائيل في لحظة قوة إسرائيلية وضعف إيراني غير مسبوق”.
المقصود ممّا قاله توم برّاك مجموعة من النقاط المهمة: أولاً: أن الدولة اللبنانية فشلت في نزع سلاح “الحزب”، وأن الحزب المذكور يتمتع بما يكفي من نفوذ وقوة داخلية من أجل تعطيل الوعود الرئاسية والحكومية. ثانياً: أن الدولة اللبنانية عموماً رفضت مقترحاً أميركياً لعملية نزع سلاح تدريجية، ولم تقدّم بدائل عملية قابلة للتنفيذ على الأرض. ثالثاً: لا انتعاش اقتصادياً قبل نزع السلاح، واستطراداً لا إعادة إعمار قبل نزع السلاح وخصوصاً أن الشركاء الإقليميين مستعدّون للاستثمار شريطة استعادة لبنان احتكاره للقوة الشرعية بقيادة قواته المسلحة. رابعاً: أن نتيجة فشل الدولة اللبنانية في تنفيذ تعهداتها في ما يتعلق بنزع السلاح والتفاوض المباشر مع إسرائيل ستكون مواجهة كبرى بين هذه الأخيرة و”الحزب”. بمعنى آخر، حرب جديدة وكبيرة.
من الناحية العملية يمكن اعتبار منشور توم برّاك على منصة X بمثابة تحذير يلامس حدود التهديد بأنه إن لم تنفّذه الدولة اللبنانية بالسياسة، فإن حرباً جديدة ستشنّها إسرائيل من شأنها أن تفرض تغيير المعادلة في لبنان بشكل حاسم. فالمشهد المستقبلي في لبنان لا يحتمل سوى معادلة “دولة واحدة وسلاح واحد”. وكلام توم برّاك الذي كان في المرحلة الأولى من مهمته في لبنان يُدوّر الزوايا عندما يتحدث عن الدولة والحكومة تغيّر وصار يشبه اليوم كلام الإدارة الأميركية الحقيقي الذي تعكسه تصريحات المبعوثة مورغان أورتاغوس الصريحة. هذا يعني أيضاً أن هوامش الحركة والمناورة حول موقف الولايات المتحدة ضاقت كثيراً، وأن الدولة اللبنانية التي يمثلها رئيسا الجمهورية والحكومة جوزف عون ونواف سلام صارت أمام ساعة الحقيقة. أما رئيس مجلس النواب الذي يمثل في مكان ما موقفاً مؤيداً لـ”الحزب” دوافعه طائفية، فقد وصل إلى نقطة النهاية بالنسبة إلى مناوراته مع واشنطن.
خلاصة القول اليوم وفق ما قال توم برّاك: حان الوقت لكي يتحرك لبنان!
توم برّاك للبنان: الإنذار الأخير! .






