بري «المتشائل» نعى «مبادرة» عون للتفاوض وحمّل إسرائيل المسؤولية

– خفايا طي صفحة مسار التفاوض قبل أن ينطلق… إسرائيل لن توقف الاعتداءات وتصر على مفاوضات مباشرة
– «حزب الله» يَخشى استدراج سلاحه إلى التفاوض تحت مِطرقة ترامب و… محدلته

… ماذا وراء انهيار مسار التفاوض مع اسرائيل الذي كان كَشَفَ عن خياره الرئيسُ اللبناني العماد جوزف عون، في 12 أكتوبر على قاعدة «لا يمكن أن نُعاكِس مسار تسوية الأزمات في المنطقة» مع استحضار النموذج الذي كان أفضى قبل 3 أعوام إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين؟

سؤالٌ ضجّت به بيروت اليوم الإثنين، مع «النعي» المفاجئ من رئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية، للمفاوضاتِ التي كانت لا تزال بمرحلة «تأسيس» بُنْيَتِها «التحتية» في الشكل والمضمون كما «جس النبض» حيالها، وسط تعاظُم المخاوف مما بعد قَفْل «نافذة» التفاوض ومن احتمالاتِ هبوب عاصفة نار هوجاء.

واستوقف أوساطاً سياسية أن بري هو الذي تولّى طيَّ صفحة التفاوض، وليس عون الذي كان استقبل قبل الظهر رئيس البرلمان الذي تحدّث عن «أجواء ممتازة كما دائماً مع رئيس الجمهورية»، وذلك في إطار التشاور الذي كان شمل رئيس الحكومة نواف سلام في وقت سابق لتوحيد الرؤية من هذا الملف.

وتكثّفتْ مساء التحرياتُ عن خفايا الموقف المباغت من بري وملابساته، وهل الرؤساء الثلاثة على «الموجة نفسها» في هذا الإطار، خصوصاً أن جدلاً كان قائماً في بيروت حيال شكل التفاوض، وهل يكون مباشراً أو غير مباشر، وهل بتمثيل عسكري وتقني أم مطعّم بمستوى دبلوماسي أو سياسي، وصولاً إلى اعتبار سلام في تصريح صحافي أن المفاوضات غير المباشرة، التي تجري في الناقورة برعاية هيئة الرقابة الدولية (الميكانيزم) برئاسة الجنرال الأميركي مايكل ليني «وصلت إلى حائط مسدود نتيجة إصرار إسرائيل على خرق وقف النار (اتفاق 27 نوفمبر)، وتماديها في اعتداءاتها، بخلاف التزام لبنان بتطبيقه بحرفيته».

وفي حديث إلى صحيفة «الشرق الأوسط»، وُزِّع مساء الإثنين، قال بري إن «الموفد الأميركي توم براك أبلغ لبنان بشكل رسمي أنّ إسرائيل رفضت مقترحاً أميركياً يقضي بإطلاق مسار تفاوضي، يُستهلّ بوقف العمليّات الإسرائيليّة لمدّة شهرين، وينتهي بانسحاب إسرائيلي من الأراضي اللّبنانيّة المحتلّة، وإطلاق مسار لترسيم الحدود وترتيبات أمنيّة».

ولفت إلى أنّه «بالتالي، تمّ التراجع عن أيّ مسار للتفاوض مع إسرائيل، ولم يعد هناك من مسار دبلوماسي قائم، سوى العمل ضمن الآليّة المتَبعة عبر لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف النّار (الميكانيزم)»، مبيّناً أنّ «تطوّراً مهمّاً حصل في آليّة عملها، بعدما باتت تجتمع كلّ أسبوعين، خلافًا للمسار الذي اتبعته في السّابق، حيث كانت تعقد اجتماعات متقطّعة ومتباعدة».

«متشائل»

وشدّد بري على «أنّنا متمسّكون باتفاقيّة وقف النّار الّتي يُفترض أن تشرف على تنفيذها لجنة الميكانيزم»، مشيراً إلى أنّها «الآليّة المعتمَدة حاليًّا، ولا شيء سواها»، رافضاً القول أمام هذه التطوّرات هل هو متشائم أو متفائل «فأنا متشائل».

ورغم الوقع المفاجئ لنعي مسار التفاوض فإن مصادر مطلعة أوضحت عبر «الراي» أن القطبة المخفية غير الخفية من جانب اسرائيل تمثّلت في رفْضها «الثابت» لأي وَقْفٍ للعمليات العدائية قبل بدء التفاوض كما خلاله، والإصرار على مفاوضاتٍ مباشرةٍ.

من جانب «حزب الله»، ثمة مناخٌ عن أنه يدرك أن أي خروجٍ عن إطار اتفاق 27 نوفمبر وآلياته التطبيقية عبر لجنة الميكانيزم، هو واقعياً خطوة إلى الوراء، بمعنى وضْع بنود اتفاق وقف النار (ينص على انسحاب اسرائيل وإعادة الأسرى ووقف الاعتداءات بالتوازي مع سحب سلاح الحزب) قيدَ التفاوض من جديد ومن ضمن عمليةٍ محتومٌ أن تربط الانسحاب والأسرى بمسارٍ مُمَرْحَلٍ لنزع السلاح، بما يجعل هذا البند عملياً على الطاولة وتحت مطرقة الرئيس دونالد ترامب شخصياً وموفديه الذين أشرفوا وما زالوا على خطة السلام في غزة.

وتذكّر المصادر بأن «حزب الله» كان أعلى مراراً وتكراراً أولوية تنفيذ بنود اتفاق 27 نوفمبر بوصفه الناظم لما بعد حرب الـ 65 يوماً وذلك قبل أي بحث في سلاحه، يريده ضمن إطارٍ داخلي (حوار حول استراتيجية أمن وطني)، في الوقت الذي مسار المفاوضات، في مبدئه، أكان غير مباشر أو مباشر، تكريس التلازم بين تسليم سلاحه والانسحاب الاسرائيلي مع تدويلٍ أكبر لهذا البند مدفوعاً بمحدلة أميركية مدجّجة أولاً بقوةٍ قاهرة أجبرتْ حماس وبنيامين نتنياهو على التسليم بخطة ترامب، وثانياً بـ «حلم» الرئيس الأميركي بـ «فجر جديد للشرق» و«عصر ذهبي من السلام» ولو بالقوة من أجل الازدهار.

ومع سقوط ورقة المفاوضات غير المباشرة، وحصْر التواصل بآلية «المكيانيزم»، وعدم استبعاد أن يكون تجميد مسار التفاوض في سياق محاولة تحصيل تَنازُل اسرائيلي على قاعدة وقف الاعتداءات أولاً، فإن المصادر نفسها تعتبر أن لبنان لم يعد في موقع رفع السقوف ولا التذاكي لأن «التفاوض تحت النار» الذي ذكّر به نتنياهو أمس واعتبره سبباً لـ «الانتصار على حماس» ستُبْقي عليه تل ابيب على جبهة لبنان وربما ترفع وتيرته بعدما «احترقت» ورقة التفاوض الذي تريده بشروطها ووفق «نموذج غزة».

«منظور شخصي»

وفيما ترافق توقف «قطار» التفاوض قبل أن ينطلق، مع موجة غارات اسرائيلية جديدة استهدفت مناطق مفتوحة واودية في مناطق المحمودية، الجرمق، مجرى نهر الخردلي جنوباً، على وقع استمرار الجيش الإسرائيلي بمناورةٍ عسكرية كبيرة على الحدود مع لبنان (حتى 23 الجاري)، لم يكن عابراً أن يطلّ توماس براك في منشور على صفحته على منصة «أكس» بدا بمثابة «تسليم» الدفة في الملف اللبناني للسفير الجديد ميشال عيسى الذي يُرتقب وصوله الى بيروت خلال أقل من أسبوعين.

وفي منشوره الطويل، تحت عنوان «منظور شخصي – سوريا ولبنان القطعتان التاليتان للسلام في المشرق»، اعتبر براك أنه «في الوقت الذي تستعيد سورية استقرارها مع جيرانها، بمَن فيهم إسرائيل وتركيا، فإنها تشكّل بذلك الركيزة الأولى لإطار الأمن الشمالي لإسرائيل، أمّا الركيزة الثانية، فهي نزع سلاح حزب الله داخل لبنان وبدء محادثات أمنية وحدودية مع إسرائيل»، لافتاً إلى «أنّ اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي رعتْه إدارة بايدن عام 2024 بوساطة أميركية – فرنسية – أممية، سعى لوقف التصعيد لكنه فشل في النهاية. فلم يُبرَم أي اتفاق مباشر بين إسرائيل وحزب الله لأنّ لبنان ما زال يَعتبر التعامل مع إسرائيل جريمة، وبالتالي لا توجد آلية حقيقية للتنفيذ».

ورأى «ان الحوافز للتحرّك الآن أكبر من كلفة الجمود: فالشركاء الإقليميون مستعدون للاستثمار شرط أن يستعيد لبنان احتكاره للقوة الشرعية ويحصرها بيد الجيش اللبناني وحده. وإذا استمرّت بيروت بالتردّد، فقد تتصرّف إسرائيل منفردة – وعندها ستكون العواقب وخيمة».

وأضاف «إنّ خطوات دمشق الشجاعة نحو اتفاقٍ حدودي وتعاونٍ مستقبلي مأمول تمثّل الخطوة الأولى في اتجاه تأمين الجبهة الشمالية لإسرائيل. أمّا نزع سلاح حزب الله، فيجب أن يكون الخطوة الثانية. ولبنان الآن أمام خيار مصيري: إما أن ينتهز الفرصة للتجديد الوطني، أو يبقى غارقاً في الشلل والانحدار».

وتابع «إذا فشل لبنان في التحرّك، فإنّ الجناح العسكري لحزب الله سيكون حتماً أمام مواجهةً كبرى مع إسرائيل، في لحظة قوة إسرائيل ووجود إيران الداعمة لحزب الله، في أضعف موقع»، ليختم «الآن هو وقت تحرّك لبنان».

بري «المتشائل» نعى «مبادرة» عون للتفاوض وحمّل إسرائيل المسؤولية .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...