في بلدٍ يتداعى اقتصاديّاً منذ سنوات، ما زال العهدُ والحكومةُ يتصرّفان وكأنّ الانهيارَ مجرّد أزمةٍ عابرةٍ يمكن ترقيعُها بضرائبَ جديدةٍ وموازناتٍ بلا رؤية. الحقيقةُ أنّ ما يجري هو فشلٌ ممنهجٌ لإدارة الدولة، أو بالأحرى تواطؤٌ صامتٌ على خنقِ الشعب.
بدلاً من إصلاحٍ جريءٍ يوقفُ النزيفَ، يُفرضُ على اللبنانيينَ المزيدُ من الأعباءِ…ضرائبُ على الكهرباءِ والمحروقاتِ والاتصالاتِ، من دون أيّ مقابلٍ أو خدماتٍ. يُرادُ من المواطنِ أن يدفعَ ثمنَ فسادٍ لم يرتكبه، وجوعٍ لم يختره.
الأرقامُ فاضحةٌ نعم أكثرُ من ثلثي اللبنانيينَ تحتَ خطِّ الفقرِ، والقدرةُ الشرائيةُ تتهاوى أَمام أَلغلاء الفَاحِش ، فلا خطّةَ إنقاذٍ، ولا رؤيةَ إنتاجٍ، ولا دولةٌ قادرةٌ على تأمينِ الحدِّ الأدنى من الأمنِ الاجتماعيّ.
وفي الأفقِ، يلوحُ تهديدُ الحصارِ الإسرائيليّ الذي قد يقطعُ المرافئَ والإمداداتِ إذا لم تُسلَّمَ المقاومةُ سلاحَها. حينها، سيكونُ الجوعُ أداةَ ابتزازٍ سياسيّ، واللبنانيّ ضحيّةً بينَ الداخلِ العاجزِ والخارجِ الطامعِ.
إنّ هذا العهدَ والحكومةَ فشلا في أبسطِ واجبٍ وطنيّ بحمايةِ الإنسانِ من الذلّ. ما نعيشه اليومَ ليسَ سوءَ إدارةٍ، بل جريمةُ إهمالٍ بحقِّ وطنٍ بأكملِه.
لبنانُ لن ينهضَ ما دامَ من في الحكمِ يرونَ في الضرائبِ خطّةً، وفي صمتِ الناسِ شرعيّةً.
إنْ لم نرَ خطةً جذريةً خلال أسابيعَ معدوداتٍ، فالأزمةُ ستنتقلُ من اقتصاديةٍ إلى إنسانيةٍ بحتةٍ.
المطلوبُ فوراً ،إعلانُ حالةِ طوارئٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ مع برنامجٍ شفافٍ لمكافحةِ الفقرِ وتوزيعِ المساعداتِ استناداً إلى بياناتٍ موضوعيةٍ.
حمايةُ المواردِ الأساسيةِ (القمحُ، الوقودُ المولّدُ للطعامِ، الأدويةُ) من الضرائبِ والعلاواتِ حتى يتمّ تخطّيُ ذروةِ الأزمةِ.
خطةُ دعمٍ فوريٍّ للزراعةِ المحليةِ وتحفيزِ سلسلةِ الإمدادِ الغذائيِّ لإحكامِ الحمايةِ من أيِّ حصارٍ خارجيٍّ.
فتحُ قنواتٍ للتمويلِ الطارئِ مع المجتمعِ الدوليِّ لكن على أساسِ شروطٍ تحترمُ سيادةَ القرارِ الوطنيِّ وتمنعُ تحويلَ لبنانِ إلى ساحةِ ابتزازٍ سياسيّ..
لن أوفّي هذه اللحظةَ حقّها من الصراحةِ، إنّ السكوتَ أو الاكتفاءَ بالنقدِ الأخلاقيِّ دونَ خطواتٍ عمليةٍ هو مشاركةٌ في الجريمةِ. فشلُ العهدِ والحكومةِ في وضعِ خطةِ إنقاذٍ شاملةٍ يطالُ مستقبلَ الشعب، ولا يمكنُ أن يُسمَّى إلا فشلاً يؤدي إلى تجويعِ المواطنينِ وتهديمِ الدولةِ.
إذا كنتمَ فعلاً تريدونَ أن تنجو الوطن والأجيالُ القادمةُ من كارثةٍ مُتوقعةٍ، فهناكَ وقتٌ قليلٌ للعملِ الجديِّ والمباشرِ وإلا سنُصبحُ شهودَ زورٍ على موتٍ بطيءٍ فرضتهُ سياساتٌ عنيدةٌ وغبيةٌ ومتعاليةٌ..
أطالبُ النخبةَ السياسيّةَ والمدنيّةَ والجيشَ والمجتمعَ الدوليَّ الراشدَ والهيئاتِ الإنسانيةِ بأنْ يوقفوا هذا النزيفَ الآنَ قبلَ أن يصبحَ إعلانُ حالةِ الجوعِ في لبنانِ أمراً واقعاً لا يُردّ..
الجوعُ آتٍ، والإنذارُ الأخيرُ قد دُقّ. فإمّا نهضةٌ وطنيّةٌ فوريّة، وإمّا سقوطٌ لا قيامَ بعده.
خاص – لبنانُ بين الجوعِ والفشلِ: من يُنقِذُ الوطنَ من حكومتِه؟ .


