نتنياهو “يستثمر” ترامب من غزة إلى لبنان: استسلِموا تَسْلموا!

ليس مقترح وقف الحرب الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعيد لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخصّ غزة وحدها، بل يطال المنطقة كلها. وقد عبّر ترامب عن ذلك بوضوح عندما قال إنه يطرح مشروعاً للسلام في الشرق الأوسط الذي يريد بنيامين نتنياهو تغيير وقائعه وتوازناته بدعم أميركي. خطة ترامب السياسية هدفها “تعميم الاتفاقات الابراهيمية”، وخطته الشخصية هي الحصول على جائزة نوبل للسلام، ولذلك هو يبدو مستعداً لفرض وقف إطلاق النار وفق الشروط الأميركية والإسرائيلية قبل أن يحين موعد تسليم الجائزة التي يأمل الحصول عليها، لكنه يستبعد ذلك. 

ما يحاول ترامب إرساءه هو تحميل الآخرين مسؤولية إجهاض أي وقف لإطلاق النار، ولذلك هو أعطى حركة حماس بضعة أيام لتقديم الجواب، علماً أن الخطة التي قدمت لا تتضمن أي آليات تنفيذية واضحة باستثناء تسليم الأسرى الإسرائيليين وإدخال المساعدات إلى غزة. فحتى مسألة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع ستكون على مراحل، بينما نتنياهو يقول إن جيشه سيبقى في غزة. والأخطر هو اقتراح تعيين مجلس إدارة يرأسه ترامب وإلى جانبه طوني بلير، ما يعني تجاوز السلطة الفلسطينية، ومحاولة تجديد الصراع الفلسطيني- الفلسطيني. 

يريد المقترح أن يضع حماس أمام خيار التسليم الكامل أو تعريض الفلسطينيين لدمار هائل والمزيد من المجازر. وقد أعطى ترامب نتنياهو الضوء الأخضر لذلك. أما ما يتعلق بإعادة الإعمار، والمساعدات وكيفية إدارة غزة فكلها متروكة للمجلس التمثيلي الدولي الذي سيكون مشرفاً، إلى إدارة فلسطينية تكنوقراطية. فكل الآليات التطبيقية لا تبدو واضحة، وحتى مسألة إلقاء السلاح. فمسألة تسليم السلاح أو الاستسلام طلباً للعفو لا تبدو أمراً يسيراً. ففي لبنان مثلاً، بعد انتهاء الحرب الأهلية، بقيت القوى المسلحة المختلفة محتفظة بسلاحها لسنتين وأكثر. وحزب الله لا يزال يحتفظ بسلاحه بعد توقيع اتفاق تشرين الثاني الفائت. 

رميت الكرة مجدداً في ملعب حركة حماس، التي تقع على عاتقها مسؤولية عظمى. لكن الخطة التي حظيت بموافقة دولية وعربية تبقى الخيار الوحيد وفق موازين القوى لوقف الحرب. وفي المقابل، ثمة من يعتبر أنه في حال موافقة حركة حماس على المقترح، فستكون هناك شكوك في كيفية تطبيقه وآلياته التنفيذية التي لا تبدو واضحة، إضافة إلى أن هناك وجهة نظر مفادها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يريد وقف هذه الحرب، وأنه سيعود للانقضاض عليها ولو تم البدء بمراحلها الأولى، وسيواصل عملياته العسكرية بالطريقة والوتيرة اللتين يريدهما. 

الهدف من الخطة وفق ما يقول ترامب هو إرساء السلام في الشرق الأوسط. ولكن لا تبدو بوادر السلام قائمة، خصوصاً في ظل استشعار الإسرائيليين لحالة الانتصار والتعايش معها، ما يعني استمراره بفرض الشروط التي يريدها وإن تعثر ذلك بالتسليم أو السياسة، فهو سيسعى إلى ذلك بالقوة، وهذا ما جاء واضحاً على لسان نتنياهو وترامب في معرض تهديدهما لحركة حماس في حال عدم الموافقة على الخطة. كما أن بوادر السلام لا تبدو قائمة، ما دامت لا تتضمن بوضوح إقامة دولة فلسطينية أو الاعتراف بها، بل مجرد فتح مسار للبحث في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية. كذلك، إن العمليات ضد الإسرائيليين ومستوطنيهم لن تتوقف في فلسطين، لا سيما أن تل أبيب التي أعلن نتنياهو تراجعها عن ضم الضفة الغربية أو إعلان السيادة الإسرائيلية عليها، لن تتخلى عن سياسة الاستيطان، ما يعني استمرار المواجهة مفتوحة. 

تريد واشنطن ومن خلفها تل أبيب أن تكرسا واقعاً جديداً في المنطقة، يقوم على مفهوم الغالب والمغلوب، وهذا ما عبّر عنه الموفد الأميركي توم باراك عندما اعتبر الشرق الأوسط مقسماً على عشائر وقبائل، من دون اعترافه بمنطق الدول أو مفاهيمها، وقال إن هذا الصراع تاريخي وقديم وسيكون فيه طرف منتصر وطرف خاضع. والمقصود هو أن تكون إسرائيل هي المنتصر. وإسرائيل نفسها لا تزال تتجهز لمواصلة الحروب في المنطقة، إما ضد حزب الله في لبنان، وإما ضد إيران نفسها، إضافة إلى استمرار المواجهة المفتوحة والمتقطعة ضد الحوثيين. 

هنا لا بد من انتظار ردة فعل إيران على هذه الخطة، خصوصاً في ضوء تجدد العقوبات الدولية عليها، ومحاولة تعريتها من حلفائها وتركها وحيدة على المستوى الدولي، لا سيما أن واشنطن شاركت عدداً من الدول في صياغة مقترح وقف النار، وهذه الدول العربية والإسلامية ومن ضمنها اندونيسيا وتركيا وباكستان، ما يجعل إيران وحيدة، وخياراتها ضيقة، فيما إسرائيل تواصل التحضير للتصعيد ضدها وضد حلفائها، لتستكمل تغيير توازنات الوضع في المنطقة. 

ولكن عملياً، ما يعرضه ترامب ونتنياهو على حماس في غزة هو نفسه المعروض على إيران أي خيار الاستسلام، وعلى لبنان وحزب الله، وعلى سوريا أيضاً. فإيران تواصل فتح قنواتها التفاوضية في محاولة لتجنب التصعيد. أما سوريا فسبق أن دخلت في مفاوضات مباشرة لا تزال عالقة عند نقاط مختلفة في ظل التشديد الإسرائيلي على استمرار السيطرة براً وجواً. وأما لبنان فقد عُرض عليه التفاوض المباشر مع إسرائيل لكنه رفض، بينما الخطة الأميركية تبدو متعثرة على طريق سحب سلاح حزب الله الذي يرفض تسليمه، بل أعلن أمينه العام أنه يعمل على إعادة بناء القدرات العسكرية. 

في ضوء ذلك كله، تبدو خطة ترامب وكأنها تخاطب الفلسطينيين في غزة، لتحاكي حزب الله في لبنان أو الدولة اللبنانية كلها، وتضع الجميع أمام استحقاق القبول بما هو معروض، وتَحدّي قيام مؤسسات الدولة الرسمية بتنفيذه، ما قد يضع اللبنانيين في مواجهة بعضهم لبعض، أو أن تستغل إسرائيل الفرصة لتوسّع عملياتها العسكرية وترفعها إلى درجة تدميرية أكبر، إضافة إلى عزل لبنان وتركه لمصيره، فلا يُسمح لأي طرف بتقديم المساعدات اللازمة لا للدولة ولا للمجتمع ولا للمؤسسات. 

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...