إسرائيل تصعّد جنوبًا وبقاعًا و”تبتسم” لمسرحية الروشة

ما حصل أمام صخرة الروشة شكل صدمة بنسبة أو بأخرى لعدد من كبار المسؤولين، لكن الصدمة الأبرز حلّت برئيس الحكومة نواف سلام الذي وجد نفسه وحيدًا وشبه معزول في المواجهة، لدرجة أنه عاتب على العديد من الأقربين.

لكن عتبه السياسي لا يوفر ضمنًا الرئاسة الأولى باعتبار أن المسألة تتعلق أولًا بهيبة الحكم والرمزية الوطنية التي يمثلها الرئيس العماد جوزاف عون، فالحكومات تأتي وتذهب ومعها رؤساؤها، والحكومات كما العادة في لبنان، أقرب إلى ائتلافات وتوافقات جامعة أو شبه جامعة وبالتالي المسؤولية فيها جماعية، بينما رئيس الجمهورية ثابت في موقعه على مدى ست سنوات، فكم بالحري عندما يكون الرئيس اسمه جوزاف عون الآتي من قمة المؤسسة العسكرية إلى قمة السلطة، وقد أعلن منذ اللحظة الأولى العنوان السيادي الواضح لعهده والذي في ضوئه تشكلت الحكومة وبنت بيانها الوزاري والتزمت مسألة حصرية السلاح كقضية وطنية.

ومعالم العتب الهادئ للرئيس سلام، تتمثل في أنه يتقدم على الجميع في الموقف وفي إطلاق المبادرات والخطوات العملية، علمًا أن القضايا المطروحة اليوم تحت العنوان السيادي تتخطى البعد السياسي إلى البعد الوطني العام وما يعنيه ذلك من دور لرئيس الجمهورية رمز وحدة الوطن والساهر على الدستور والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ولذا فإن الرئيس سلام، يلعب اليوم ولو من دون قصد، دور المتراس الذي يحمي خيارات العهد ويخوض تحت سقفه مواجهات شتى، ولذلك يعز عليه ألا يحظى بالمواكبة المرجوة. والعتب في السراي الحكومي، يشمل بعض الرموز والوجوه السنية التي تحسب حسابات ضيقة أو لديها اعتبارات انتخابية ومصلحية أو تفتقر إلى الجرأة الكافية، علمًا أن الرئيس سلام بات على علاقة متحسنة جدًا مع مفتي الجمهورية، فضلًا عن تطور علاقته بالمملكة العربية السعودية، لا سيما بعدما أثبت أنه سيادي بالفعل وليس بالقول فحسب، وأنه ومن خلال شخصيته المستقله وابتعاده عن التموضع المذهبي والديني التقليدي، نجح في استعادة دور متراجع لرئاسة الحكومة وما تمثله وطنيًا وسنيًّا.

ولذلك، من الطبيعي أن يربط الرئيس سلام بين هيبته وصدقيته شخصيًا وكرئيس لمجلس الوزراء وبين هيبة الحكم والدولة ككل. على أن موقفه المتقدم، لا يعوّض التراجع الذي أصاب هيبة الحكم، علمًا أن ثمة حاجة إلى معالجة ما بدا أنه ثغرة في المسار بين القرار السياسي والحركية الأمنية.

وتستغرب أوساط سيادية رفيعة ما يبدو من تراجع في اللهجة الحازمة والصريحة على أعلى مستويات الدولة مقابل التصاعد النافر والاستفزازي في اللهجة الاستقوائية والتهديدية التي يعتمدها “الحزب”، لدرجة تكاد المعادلة السياسية تعود إلى المربع الأول ما قبل التطورات الدراماتيكية إقليميًا ومحليًا، وصولا إلى القرار الحكومي بحصر السلاح في الخامس من آب الماضي. وكأن ثمة من لا يصدق أن الواقع العملي تغيّر، على الرغم من الصراخ السياسي والعراضات الإعلامية لأهل الممانعة.

وتقول: إن الهيبة لا ترتبط بقوة مادية أو عسكرية أو قانونية بقدر ما ترتبط بالشخصية والروح القيادية والثقة بالنفس. وأكثر ما يضعفها، هو الخشية من الاصطدام بالآخر على الرغم من الاقتناع بأن الآخر يتصرف تصرفات خاطئة. ولذلك وبحسب الأوساط نفسها، فإن الأميركيين ومن خلفهم الأوروبيون، لا يمكنهم أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، وهم يفضلون التعامل غالبًا مع مسؤول قوي ولو شاب أداءه بعض الخلل على التعامل مع مسؤول متردد وخائف ويربك الكثير من الحسابات. والأدهى، أن الأداء الرمادي لا يفقد لبنان فرصة الدعم الدولي والعربي المرتجى فحسب، بل يستتبع تفرق القوى الداعمة للحكم والحكومة وبحثها عن مخارج ومعادلات مختلفة وقد تختلف جذريًا عن خياراتها الراهنة. ومن هنا، لم يعد أمام رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة والحكومة بأغلبيتها الساحقة إلا استعادة المبادرة، والإقدام على خطوات نوعية جديدة، ولن يستطيع “حزب الله” ومن خلفه إيران العرقلة والتعطيل، عندما يجدان الموقف الحاسم والقرار الحازم بما يمثل من شرعية ومن دعم وطني وخارجي.

وتخلص الأوساط ِإلى القول، إن ما حصل في الروشة يؤكد أن دويلة “حزب الله” ما زالت عمليًا أقوى من الدولة، وأن الصورة على صخرتها، كانت صورة للبنان الرسمي الهش ولقوى أمنية إما مكبلة وإما تسمع بأذن وتصم الأخرى، ما يجعلها في موقع الشلل والمراقبة بدلًا من أن تكون في موقع الفعل والمبادرة. على أن المشهد المعبّر، هو للطيران الحربي الإسرائيلي الذي يعربد جنوبًا وبقاعًا على سجيّته، في وقت لا بد أن كبار المسؤولين الإسرائيليين كانوا يبتسمون أمام حفل إضاءة الصخرة، مدركين أن همهم هو حماية حدودهم الشمالية، بينما لا يهمهم كثيرًا إن استمرت ازدواجية الدولة والدويلة في لبنان، طالما أن الخطر بعيد عن الجليل وأن أحدًا لا يمكنه منع إسرائيل من شن الغارات على كوادر “حزب الله” وبناه العسكرية ساعة تشاء، في ظل غياب الدولة التي ترفض أن تكون دولة حتى إشعار آخر.

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...