يدرك حزب الله أن كل الضغوط السياسية والعسكرية على لبنان هدفها نزع سلاحه مهما كلف الأمر. ورغم ذلك، هو يفضل أن يخسر هذا السلاح بالقوة مقابل عدو يستهدفه كل يوم على أن يسلمه طوعاً. فالحزب يعتبر أن كيانه ووجوده مرتبطان ببقاء السلاح، وأن تسليمه إقرار بهزيمته أولاً، وإنهاء مشروعه الذي يستمد قوته ووهجه منه.
ترى أوساط مطلعة أن ثمة اقتناعاً لدى حزب الله بأن استمرار إسرائيل في اعتداءاتها على لبنان وفي احتلالها لأراضٍ لبنانية و”عجز” الدولة اللبنانية عن رد العدوان بالدبلوماسية هو سبب وجيه لاحتفاظه بسلاحه، وهو وإن لم يستطع استخدام هذا السلاح اليوم فقد يستطيع ذلك حين تصبح الظروف مؤاتية!
يريد حزب الله أن يستفيد من كل يوم يمر للحفاظ على ما تبقى من ترسانته، وإعادة بناء قدراته العسكرية. لكنه يعي تماماً أنه لن يكون لديه – في الوقت الراهن – الترف والحرية لبنائها، لأنها لن تكون في منأى عن الاستهداف الإسرائيلي، ولأنه – أي الحزب – لن يستطيع حالياً العودة إلى أسلوب المواجهة التقليدي الذي كان يعتمده قبل 27 تشرين الثاني 2024 تاريخ وقف إطلاق النار.
وبحسب هذه الأوساط، يرى الحزب أن الظرف الإقليمي غير مناسب، كما أن الوضع اللبناني الهش لا يتحمّل حرباً إسرائيلية جديدة على لبنان. وقبل ذلك، فإنه يحتاج، من أجل إعادة بناء القدرات العسكرية، إلى ثلاثة عوامل اساسية مترابطة وغير متوافرة حالياً:
-
أرض يتحرك عليها عسكرياً تكون في منأى عن الاستهدافات الإسرائيلية اليومية.
-
ممرات آمنة لوصول سلاحه ومقاتليه من خارج الحدود وداخلها.
* أموال لإعادة بنيته العسكرية أو أي استراتيجية او خطة يريد وضعها او تنفيذها.
وتضيف الأوساط نفسها أن الحزب، ولو نجح مرة واحدة في التحرك نحو أي هدف إسرائيلي، فهو يدرك أن هذا ما ينتظره ويريده نتانياهو كي يتوسع في عدوانه وحربه على لبنان، فضلاً عن أن الحزب يكون بذلك قد كشف ما تبقى لديه من مواقع وسلاح أمام إسرائيل .
الإنحناء للعاصفة
يعتمد الحزب حالياً استراتيجية الإنحناء للعاصفة حتى تمر، لا مواجهتها، كي لا ينكسر وينتهي سلاحه ومشروعه. لا يريد اليوم أكثر من الوقت ثم الوقت ثم الوقت.. لأنه يراهن على حصول متغيرات إقليمية أو دولية ” تلهي” الأميركي والإسرائيلي عن سلاحه. وإلى جانب الوقت، هو يراهن أيضاً على بقاء الإسرائيلي محتلاً لأراض لبنانية، كي يعيد بناء عناصر القوة التي فقدها أو يفقدها أو يكاد:
-
شعبيته او بيئته الحاضنة عبر ابقائها مستنهضة ومتفاعلة ومساندة لأي قرار يتخذه لاحقاً.
-
بيته الداخلي عبرإعادة ترتيبه وتنقيته من كل ما يعرّضه من جديد للإختراق، وعبر الإستفادة من كل الثغرات والأخطاء الأمنية التي دفع ثمنها غالياً ولا يزال.
-
قدراته العسكرية والبشرية عبر محاولة إعادة بنائها وتعبئة جيل جديد من المقاتلين، وان كان ذلك متعذراً حالياً لإنكشافه أمنياً أمام الإسرائيلي ومسيراته.
كيف سيصمد؟
يواجه الحزب تحدي قدرته على الصمود طويلاً على موقفه المتمسك بسلاحه، في ضوء واقع جديد بات يحيط به من خارج الحدود وداخلها:
-
فقد حزب الله ظهيره المساند سوريا التي كان يغذي منها وعبرها جبهته الأمامية بعد تبدل النظام فيها وخروج الحزب نهائياً منها وتحولها من جبهة مساندة إلى جبهة معادية له.
-
الحصار الذي يُفرض على الحزب من كل المنافذ التي كان يتنفس بها مالاً وسلاحاً، وانقطاع شريان الحياة الذي كان يربطه بإيران براً وبحراً وجواً.
-
ربط الولايات المتحدة وإسرائيل إعادة بناء البلدات والقرى الجنوبية، التي كانت تشكل البنية التحتية لترسانة حزب الله والغطاء الشعبي والعمق الجغرافي الذي كان يتحرك فيه وعبره ومنه، بتسليمه لسلاحه. ما سيشكل ضغطاً شعبياً يلاحقه داخل بيئته الحاضنة .
-
رقابة اليونيفيل التي أصبحت عبئا ثقيلاً تراقب خطواته وتستكشف مخابئه وأنفاقه.
يبقى التحدي الأكبر أمام الحزب، محاذير انزلاقه إلى فتنة داخلية. لذا، هو يبدو كمن يسير على حبل رفيع بين حافتي جبلين مرتفعين. فأي خطوة غير محسوبة ستودي به إلى السقوط في مستنقع اقتتال داخلي يكون وحده كفيلاً بإنهاء أسطورة الحزب وسلاحه بضربة واحدة.
بالمحصلة ، يبدو حزب الله عالقاً بين تحديات لم يخترها وخيارات لا يملكها.. هو يراهن على الوقت ويفضل الإنتظار.. ولكن هل تنتظر إسرائيل؟



