لا تفاوض ولا سلام، هذا يعني أن لا خرق محتملاً للخروج من عنق الزجاجة، ما يؤكد فرضية العودة إلى الحرب، ولكن بتساؤل حول التوقيت؛ هل سيفتتحها الإسرائيلي قبل زيارة البابا؟ الأمر الذي سيقطع على لبنان فرصة وضعه في دائرة الاهتمامات الدولية أم بعدها؟
بعد أشهر من انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية خلفاً للبابا الراحل فرنسيس، اختار البابا لاوون الرابع عشر لبنان ليكون من أوائل البلدان التي يزورها في المنطقة.
في هذا الشأن، صدر عن مكتب الإعلام في الكرسي الرسولي الإعلان الرسمي للزيارة الرسولية التي سيقوم بها قداسة الحبر الأعظم البابا لاوون إلى لبنان. وجاء في الإعلان “تلبية لدعوة رئيس الجمهورية والسلطات الكنسية اللبنانية، سيقوم الأب الأقدس بزيارة رسولية إلى لبنان من 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 2 كانون الأول/ديسمبر، وسيعلن عن برنامج الزيارة الرسولية في حينه”.
حدث الزيارة لا يقلّ أهمية عن توقيتها في وقت تشهد الساحة الداخلية في لبنان مزيداً من التوتر والتأزم نتيجة ممارسة واشنطن الكثير من الضغوط على السلطات المعنية الرسمية للذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. لقد أثارت تصريحات المبعوث الأميركي توم باراك موجة قلق حول خطورة الجمود السياسي القائم واحتمال تحول الهشاشة الأمنية إلى مواجهة عسكرية واسعة.
ذكر باراك هذا في منشور له على منصة “X”، الإثنين 20 تشرين الأول/أكتوبر، حذّر فيه من احتمال الانزلاق إلى حرب جديدة بين “حزب الله” وإسرائيل على أن تكون المؤسسات والمرافق اللبنانية جزءاً من الاستهداف.
ما ذكره المبعوث الأميركي، ليس مفصولًا عن الواقع، إذ أتى منشوره بعد مناورات إسرائيلية يجريها الجيش في منطقة الجليل، تحاكي حرباً مفتوحة مع لبنان، وفي ظلّ إصدار رئيس مجلس النواب نبيه بري موقفاً يؤكد فيه عدم إجراء أيّ مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، إذ أكّد برّي أنّه تمّ التراجع عن أي مسار للتفاوض مع إسرائيل، بعد أن رفضت الأخيرة مقترحاً أميركياً في هذا الشأن.
لا يحدّد بري مسار التفاوض وشكله بعيداً عن التنسيق مع “حزب الله” في لبنان، ولا يخطو في أي اتجاه دون أن تكون طهران قد قالت كلمة السر. لهذا، يدرك المتابع أن إيران لم تزل تمسك بالكثير من الملفات في المنطقة، والملف اللبناني حاضر دائماً في سياساتها الخارجية؛ هذا ما تؤكده الزيارات المكوكية التي يقوم بها مسؤولوها إلى لبنان، أو تلك التصاريح التي تخرج على لسان أكثر من مسؤول في نظام إيران يثبت اتهامات القائلين بالتدخل الإيراني في لبنان، كما الأميركي.
رغم أن قداسته لم يصرّح حول جدول زيارته، فإنّ إصراره على الزيارة على ضوء التسريبات التي تناولت ما خرج على لسان الملكة رانيا، ملكة الأردن، من الطلب من قداسته عدم تخصيص الزيارة إلى لبنان، يوضح بأن الزيارة تحمل تأكيداً بابوياً على دور لبنان التاريخي الذي ذكره البابا الراحل، جان بول الثاني، عندما قال “لبنان أكثر من بلد، إنه رسالة”.
هذا ما سيحمله البابا لاوون، ويريد التأكيد عليه، ونشره بين عواصم العالم، إضافة إلى دعم مبدأ حيادية لبنان عن كرة النار في المنطقة. ولكنّ التعقيدات الداخلية اللبنانية التي وصلت إلى حدّ إحداث شرخ عمودي بين اللبنانيين، أفقد هذا البلد رسالته وأدخله في صلب الصراعات الدولية، وأصبح ساحة لإيصال الرسائل والتناحر بين الدول على حساب مصالحه. فإيران التي تجد فيه ورقة ضغط في ملفاتها مع الغرب، خرجت إسرائيل لتخبرنا عن “منطقة ترامب” الاقتصادية في المناطق الحدودية اللبنانية، في دلالة على أن ما يقوم به جيشها من منع للعودة إلى القرى المحاذية مع فلسطين المحتلة يدخل ضمن استراتيجية أميركية بتنفيذ إسرائيلي قد لا تتوقف في جنوبي لبنان، بل في قطاع غزة، وربما في مكان أبعد.
“لا شيء جديداً تحت أشعة الشمس” عبارة لطالما رددها الفيلسوف اليوناني، أرسطو، للتعبير عن أن الأمور تدور في حلقة مفرغة. هذا هو حال الواقع اللبناني، إذ في الحين الذي تضغط فيه إسرائيل ومعها واشنطن والدول العربية والغربية نحو تسليم السلاح وتفكيك البنى العسكرية لـ”حزب الله”، يخرج الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ليخبرنا عن أن الحزب على أتمّ جهوزية للقتال مجدداً، وأنه يرفض كافة أشكال التهديد، إضافة إلى رفضه التفاوض مع إسرائيل تحت عنوان العمل على إفشال أيّ خطوة في هذا الاتجاه مذكّراً بـ 17 أيار/مايو 1983.
لا تفاوض ولا سلام، يعني أن لا خرق محتملاً للخروج من عنق الزجاجة، ما يؤكد على فرضية العودة إلى الحرب، ولكن بتساؤل حول التوقيت، وهل سيفتتحها الإسرائيلي قبل الزيارة؟ الأمر الذي سيقطع على لبنان فرصة وضعه في دائرة الاهتمامات الدولية. أم تراه يكون بعدها، على أن يكون لدى الإسرائيلي متسع من الوقت لإنهاء ملف غزة التي يخرق اتفاقيتها بين الحين والآخر، رغم تأكيد الطرفين على الالتزام ببنودها؟
ما بعد زيارة البابا إلى لبنان قد يكون هو الحدث! .


