فيما تتصارع القوى السياسية على تعديل القانون الانتخابي 44 الصادر في العام 2017 لناحية اقتراع المغتربين، ثمة تجاهل كلي للمواعيد الداهمة المتعلقة بهذا الاستحقاق، سواء اقترع المغتربون لنواب الداخل أو الخارج. ومراعاة موعد التسجيل حيوي لكي يتسنى لهم الاقتراع. فبحسب القانون، آخر مهلة للتسجيل هي 20 تشرين الثاني من السنة التي تسبق موعد الانتخابات النيابية، وبعد ذلك يسقط حق الاقتراع في الخارج. ولذلك، أمام وزارة الداخلية حتى عشرين تشرين الأول لفتح باب التسجيل، سواء تقرر تعديل القانون أو إبقاؤه كما هو، أي اقتراع المغتربين لستة مقاعد موزعة على القارات.
الخلاف المزمن على الدوائر
تقنياً، لا إمكانية لتطبيق القانون الحالي لناحية اقتراع المغتربين للمقاعد الستة في الخارج من دون صدور مراسيم تطبيقية للقانون الانتخابي، وهي تتعلق بتوزيع هذه المقاعد التي ستضاف على الـ128 مقعداً حالياً، على الطوائف والقارات. والخلاف على هذه المراسيم لا يقل شأناً عن الخلاف على تعديل القانون لناحية اقتراع المغتربين لنواب الداخل، كما حصل في العام 2022.
في الكباش الحالي، حزب الله، واستطراداً الثنائي الشيعي، عاد إلى نغمة نظام انتخابي على أساس الدوائر الكبرى، أي المحافظات التي نص عليها اتفاق الطائف. وهذا يعيد التذكير بالفترة الممتدة بين 2008 والعام 2016، التي شهدت خلافات على النظام الانتخابي الذي يمكن التوافق عليه.
عموماً، اعتماد الدوائر الكبرى يزيد من تأثير الأغلبية الطائفية المكانية في السيطرة على المقاعد النيابية. وكل الانتخابات التي حصلت بعد العام 1992 تثبت ذلك، حيث لم تكن الأطراف المسيحية قادرة على التأثير على أكثر من 34 نائباً من النواب المسيحيين الـ64. وكانت نتيجة خلافات القوى السياسية على النظام الانتخابي أنها توافقت على القانون 44 في العام 2017. وهو يقوم على النظام النسبي، لكن بنسبية شكلية (اعتماد الحاصل الانتخابي كعتبة تأهيل لمرحلة توزيع المقاعد على الفائزين) وعلى دوائر انتخابية صغيرة (أقضية للصوت التفضيلي) وهذه من شأنها زيادة تأثير القوى الطائفية المحلية، وتذويب تأثير الأغلبيات الطائفية في الدوائر الكبرى.
حالياً، العودة إلى اعتماد الدوائر الكبرى بات مستحيلاً، نظراً إلى رفض القوى المسيحية التخلي عن مكسب القانون الحالي الذي رفع نسبة تأثير الصوت المسيحي في الفوز بالمقاعد إلى أكثر من 55 من أصل 64 مقعداً.
تأثير المغتربين في الدوائر
الخلاف بين القوى السياسية على النظام الانتخابي مفتعل. الخلاف الحقيقي هو على اقتراع المغتربين، لأن النظام الذي أرسي في العام 2017، كان أفضل الممكن للجميع. والخلاف حالياً هو على حصر تأثير المغتربين في انتخاب ستة نواب في الخارج، ما يريح أطرافاً سياسية بعينها، أو إعادة تكريس اقتراعهم لنواب الداخل، الذي تستفيد منه قوى سياسية أخرى. وهذا ما تكشفه نتائج انتخابات العام 2022.
صحيح أن حزب الله كان في صدارة القوى السياسية في لبنان على مستوى الأصوات التفضيلية في العام 2022 (نال نحو 356 ألف صوت تفضيلي) إلا أن القوات اللبنانية كانت الوحيدة التي حلّقت بالأصوات. ففيما ارتفعت الأصوات التفضيلية لحزب الله بنحو 13 ألف صوت فقط عن العام 2018، حصلت القوات على 203 آلاف صوت تفضيلي، بزيادة نحو 41 ألف صوت عن العام 2018. أما أصوات التيار الوطني الحر فتراجعت بنحو 73 ألف صوت، إذ نال 164 ألف صوت في العام 2022، متراجعاً عن 240 ألفاً في العام 2018.
النتيجة التي تصدّرت بها القوات تعود بشكل أساسي إلى أصوات المغتربين. فقد اقترع في العام 2022 نحو 142 ألف مغترب من أصل نحو 225 ألفاً تسجلوا في الخارج. ويظهر تأثير تصويت المغتربين في مختلف الدوائر، حيث تكشف الأرقام رجحان الكفة إلى “القوات”، من أصغر دائرة في بيروت الأولى، مروراً بجبل لبنان ووصولاً إلى دائرة الشمال الثالثة. وتكشف النتائج أيضاً حجم تأثير المغتربين في فوز كل النواب التغييريين أيضاً. وفي المقابل، تكشف تراجع شعبية باقي الأحزاب (باستثناء حزب الله) بين المغتربين.
تَصدُّر التغييريين في دائرتين
في ما يتعلق بتأثير أصوات المغتربين على نجاح التغييريين، ظهر الأمر في دائرة بيروت الثانية وفي الشوف وعاليه وفي الجنوب الثالثة وفي الشمال الثالثة، هذا فضلاً عن دائرتي بعبدا والمتن حيث خسرت لوائح التغييريين بفارق أصوات ضئيل جداً. أما أصوات القوات اللبنانية فظهرت في مختلف الدوائر. من بيروت الأولى حيث تصدَّر نائب القوات غسان حاصباني بـ 1248 صوتاً مغترباً. أما نائب التيار العوني نقولا الصحناوي فنال 461 صوتاً في الخارج، أي أقل من أصوات النائب نديم الجميل، الذي نال 599 صوتاً، ومن أصوات بولا يعقوبيان التي نالت 838 صوتاً.
في دائرة بيروت الثانية، تصدَّر النائب إبراهيم منميمة أصوات المغتربين بـ2787 صوتاً يليه ملحم خلف بـ 2120 صوتاً، ثم حليف حزب الله عدنان طرابلسي بـ2134 صوتاً، ثم نائب الحزب أمين شري بـ 1442 صوتاً. أما نائب “التيار” ادغار طرابلسي فنال فقط191 صوتاً، فيما نائب حركة أمل محمد خواجه نال 338 صوتاً.
في دائرة الشوف-عاليه، تصدَّر النواب التغييريون، ونال مارك ضو 2329 صوتاً ونجاة عون 2072 صوتاً وحليمة القعقور 1052 صوتاً (ونال باقي مرشحي اللائحة بين مئة وستمئة صوت). أما على مستوى القوات فنال جورج عدوان 1798 صوتاً ونزيه متى 1167 صوتاً، فيما اقتصرت أصوات نواب “التيار” سيزار أبي خليل على 382 صوتاً وغسان عطالله على 488 صوتاً وفريد البستاني على 127 صواتاً.
الجنوب والبقاع
في دائرة الجنوب الثالثة، صبّت أصوات المغتربين للائحة الثنائي الشيعي. لكن لائحة قوى المعرضة نالت نحو 3500 صوت مغترب من أصل نحو 12 ألفاً. وكان أن غيّرت هذه الأصوات النتيجة وحصلت اللائحة على مقعدين.
في البقاع، كشفت الأرقام تفوق النائب القواتي جورج عقيص الذي نال 2174 صوتاً، مقابل اقتصار أصوات نائب “التيار” سليم عون على 542 صوتاً. وهذه الأصوات أقل من أصوات المرشح التغييري الخاسر عيد عازار الذي حصلت على 766 صوتاً مغترباً.
المفارقة كانت في دائرة بعلبك- الهرمل، معقل الثنائي الشيعي. فقد حصل النائب القواتي أنطوان حبشي على 1637 صوتاً مغترباً، فيما حصل كل مرشحي لائحة الثنائي الشيعي العشرة على 1747 صوتاً. أما نائب “التيار” سامر التوم فنال 204 أصوات فقط.
جبل لبنان والشمال
في دائرة كسروان-جبيل، لا تختلف المعادلة. فقد تصدَّر نواب القوات زياد الحواط بـ 1205 أصوات وشوقي الدكاش 948 صوتاً. ويليهما نعمة أفرام 803 أصوات. أما نواب “التيار” فحلوا في نهاية الترتيب، إذ نالت ندى البستاني 628 صوتاً وسيمون أبي رميا321 صوتاً ووليد خوري 200 صوت.
في المتن، تفوّق المرشح الخاسر جاد غصن بـ 2073 صوتاً، يليه نائب القوات ملحم رياشي بـ2014 صوتاً، ثم النائب سامي الجميل بـ903 أصوات. أما مرشحو “التيار” فقد نال ادغار معلوف 775 صوتاً يليه الياس بوصعب 251 صوتاً ثم إبراهيم كنعان 234 صوتاً.
في دائرة بعبدا، تفوّق نائب القوات بيار أبي عاصي بنيله 1945 صوتاً، ثم المرشح التغييري الخاسر ميشال حلو1402 وصوتين. وعلى لائحة الثنائي الشيعي و”التيار”، نال آلان عون 619 صوتاً، وعلي عمار 347 صوتاً وفادي علامة 118 صوتاً. وعليه، كانت أصوات نائبا حزب الله وحركة أمل أقل من أصوات المرشح الخاسر واصف الحركة الذي نال 753 صوتاً.
في دائرة الشمال الثالثة، تصدرت القوات بنيل ستريدا جعجع 1605 أصوات وفادي كرم 1626 صوتاً وغياث يزبك 1650 صوتاً والمرشحان جوزيف إسحاق 1017 صوتاً ومخايل الدويهي 1084 صوتاً. أما النائب جبران باسيل فنال 732 صوتاً، وجورج عطالله 364 صوتاً والمرشح بيار رفول 384 صوتاً. وفيما اقتصرت أصوات النائب طوني فرنجية على 580 صوتاً، نال ميشال معوض 1153 صوتاً، والنائب التغييري ميشال الدويهي 407 أصوات.





