لبنان على خريطة العقوبات: واشنطن توسّع استهدافاتها

تتصاعد في الآونة الأخيرة موجة جديدة من العقوبات الأميركية التي تستهدف شخصيات وشركات لبنانية مرتبطة بـ”حزب الله” أو متهمة بتمويله، في إطار سياسة الضغط المالي التي تعتمدها واشنطن منذ أكثر من عقدين للحد من نفوذ الحزب داخل لبنان وخارجه.

يبلغ عدد الأفراد والكيانات اللبنانية المدرجة على لوائح العقوبات الأميركية نحو 273 حتى آب 2023، بينها أكثر من مئتين على صلة مباشرة أو غير مباشرة بـ”حزب الله”. وتشمل هذه الأسماء رجال أعمال، شبكات مالية، وشركات تجارية متهمة بتبييض الأموال أو تسهيل التحويلات لصالح الحزب.

خلال السنوات الأخيرة، توسّع نطاق العقوبات ليطال شبكات تمتد خارج لبنان. ففي نيسان 2023، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية تفكيك شبكة تمويل ضخمة تضم 52 فرداً وكياناً في تسع دول، يتزعمها رجل الأعمال اللبناني ناظم سعيد أحمد، الذي اتُّهم بتأمين موارد مالية للحزب عبر تجارة الماس والأعمال الفنية. وفي آذار 2025، أدرجت واشنطن خمسة أفراد وثلاث شركات جديدة على القائمة السوداء بتهمة الالتفاف على العقوبات السابقة، بينهم أسماء لبنانية مثل محاسن محمود مرتضى، وجميل محمد خفاجة، وفاطمة وحوراء أيوب، وشركات منها Talaqi Group وRavee SARL وAlumix.

هذه العقوبات لا تقتصر على الجانب الرمزي أو السياسي، بل تحمل أثراً مباشراً على حياة المعاقَبين. فكل من يُدرج على لوائح وزارة الخزانة الأميركية (OFAC) يُمنع من التعامل المالي مع أيّ مؤسسة مصرفية تتعامل بالدولار، وتُجمّد أصوله داخل الولايات المتحدة، كما يُمنع الأميركيون من عقد أيّ صفقة معه. وبما أن النظام المصرفي العالمي يمر بمعظمه عبر الدولار، فإن هذه الإجراءات تعزل المعاقَب فعلياً عن السوق الدولية وتمنعه من السفر أو الاستثمار في العديد من الدول.

أما على الصعيد الشخصي، فيواجه الأفراد المدرجون على لوائح العقوبات صعوبات جدّية في السفر، إذ ترفض دول عدة إصدار تأشيرات لهم أو تستجوبهم عند المعابر الحدودية نتيجة تبادل المعلومات الأمنية مع واشنطن. وتتعطل أنشطتهم التجارية والاستثمارية خارج لبنان، وغالباً ما تُجمّد أموالهم أو تُفسخ عقودهم من قبل شركات أجنبية خشية التورّط في خرق العقوبات.

وتؤكد مصادر مالية أن الخطر الأكبر يكمن في “العقوبات الثانوية”، أي تلك التي تطال أشخاصاً أو مؤسسات يتعاملون مع المعاقَبين وإن من دون قصد مباشر، وهو ما يدفع البنوك اللبنانية إلى اتخاذ أقصى درجات الحذر في أيّ معاملة مالية قد تكون على تماس مع شخصيات يشتبه في علاقتها بالحزب.

وفي السياق نفسه، تُعدّ مؤسسة “القرض الحسن” أبرز كيان لبناني خاضع لعقوبات منذ عام 2020، وقد شملتها قرارات متتالية بسبب دورها في ما تصفه واشنطن بأنه “واجهة مالية لحزب الله”. أما العقوبات الأخيرة فتشير إلى انتقال التركيز الأميركي نحو “الدوائر المدنية” المحيطة بالحزب، أي رجال الأعمال والمقاولين والمستوردين الذين يُعتقد أنهم يموّلون الحزب بشكل غير مباشر.

وبحسب مقرّبين من “حزب الله”، الهدف من توسيع العقوبات ليس فقط تجفيف مصادر تمويل الحزب، بل أيضاً تطويق بيئته الاقتصادية والاجتماعية، بما يجعل التعامل معه محلياً محفوفاً بالمخاطر، ويُحجّم قدرته على التمدّد السياسي في الدوائر المختلطة. في المقابل، يصف مقربون من الحزب هذه الإجراءات بأنها “جزء من الحرب الاقتصادية على لبنان”، معتبرين أن واشنطن تستخدم العقوبات للضغط السياسي أكثر ممّا تفعل لمحاربة الفساد أو تمويل الإرهاب.

ورغم اختلاف القراءات، تبقى النتيجة واحدة: العقوبات تحوّلت إلى أداة ضغط رئيسية في الصراع الإقليمي والدولي حول “حزب الله”، وأحد الملفات الأكثر حساسية في المشهد اللبناني، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي حيث يُخشى أن تؤثر هذه الإجراءات في رسم التحالفات واختيار المرشحين في الدوائر التي تضم ناخبين شيعة أو حلفاء للحزب.

بذلك، تتحوّل العقوبات إلى أداة ضغط مزدوجة: فهي تضرب الشبكات المالية الداعمة لـ”حزب الله” من جهة، وتزرع الخشية في أوساط رجال الأعمال الشيعة والمغتربين من الانخراط في أيّ عمل قد يُفسَّر بأنه تعاون غير مباشر معه. وبينما يترقب الداخل اللبناني لوائح جديدة قد تصدر في الأشهر المقبلة، يبدو واضحاً أن واشنطن تستخدم العقوبات وسيلةً سياسية واقتصادية لاحتواء نفوذ الحزب، فيما تبقى تأثيراتها على الاقتصاد اللبناني العام محدودة، لكنها قاسية جداً على المستوى الفردي والقطاعي.

لبنان على خريطة العقوبات: واشنطن توسّع استهدافاتها .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...