غزة «بعد الطوفان» ولبنان التالي… سِلْماً أم حرباً؟

«غزة بعد الطوفان»… عنوانٌ شَغَلَ العالَم وانشدّ معه لبنان إلى مَشهدٍ تأسيسي على المستوى الجيو – سياسي في منطقةٍ تَشي بأنها تَخرج من «فوهة الحرب» إلى رحابِ مرحلةٍ من استقرارٍ يطفئ حرائقَ ألهبتْ خرائطَ وكادتْ أن تحرق خطوطها والحدود.

ومن قلْب «طوفان الفرح» الذي لفّ غزة مع دخول خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيز التنفيذ بعد الاتفاق على مرحلتها الأولى، وفي موازاة اتجاه الأنظار إلى «مَراسم» التوقيع ثم الاحتفاءِ بهذا الحدَث التاريخي الذي سيكون سيد «البيت الأبيض» نجمه في الساعات الـ 48 المقبلة، بدا لبنان الذي ارتبط بغزة «حرباً» محتاراً في ما إذا كان يتعيّن عليه:

– أن يتنفّس الصعداء مع ارتفاعِ رايةِ «إلى اليوم التالي» سِلْماً فوق القطاع الذي حوّلتْه إسرائيل «مطحنة» دم ودمار على امتداد عامين.

– أم أن «يَحبس الأنفاسَ» خشيةَ أن يكون «التالي» على لائحةِ «دبلوماسيةِ النار» في ضوءِ تَحَوُّل «حزب الله» آخِر حلقاتِ «قوسِ» نفوذ «إيران خارج إيران» وتالياً مانِع اكتمال إعادة تشكيل المنطقة التي تُعتبر خطة ترامب حول غزة حَجَرَ زاويةٍ فيها.

ورغم أن أمام خطة الرئيس الأميركي ومرحلتها الأولى بعض الألغام التي لا يُعتقد أنها ستوقف أقلّه تبادُل الأسرى في ضوء حجم الانخراط الإقليمي والدولي في رعاية هذا المسار بما يجعل أي عودة فيه للوراء بمثابة فَشَلٍ «شخصي» ودبلوماسي وسياسي لقادة كبار وعلى رأسهم ترامب الذي يتوقّع أن يصل إلى إسرائيل الأحد، فإنّ ما يؤسَّس له انطلاقاً من غزة يبدو أعمق بكثير من أن يقف بوجهه أي طرف أو دولةٍ إقليميةٍ، لأن ذلك سيَعْني محاولةَ فَرْمَلَةِ «شرقِ جديد» بات «رَسْمُه التشبيهي» جاهزاً منذ زمن.

وعلى وقع بدء تَلمُّس الغزاويين طريقَهم من تحت الركام وتَطَلُّعهم إلى حلٍّ مستدام يُنهي كابوسهم من دون أن يَقضي على حلمِ الدولة الفلسطينية، بدا لبنان في ترقُّبٍ مثلث الضلع:

– فالدولة ترصد هل يكون لاتفاق غزة تأثير الدومينو على «بلاد الأرز» من بوابة إكمال «مجموعة الضغط المتعدد الجنسية»، العربية والدولية، المَهمة في اتجاه إلزام إسرائيل بتطبيق الجانب المتعلق منها من اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) بما يسهّل المضيّ بقرار سحب سلاح «حزب الله» الذي اتخذته الحكومة اللبنانية في 5 أغسطس الماضي وبدأ تنفيذ مرحلته الأولى في جنوب الليطاني.

وإذ يسود انطباعٌ بأنّ «حزب الله» يتقاطع مع هذه الرؤية في جانبٍ منها، إضافة إلى اعتقاده أن دون اتفاق غزة العديد من «الأفخاخ» التي يشكّل كل منها قنبلة ربما تنفجر فيه، ربطاً بالتجارب مع بنيامين نتنياهو خصوصاً بعد أن يستعيد أسراه، فإن أوساطاً سياسية ترى أن حجم الضغوط التي مورست على تل أبيب فاقتْها تلك التي تَعَرَّضَت لها «حماس» التي وافقتْ على تسليم سلاحها وألا تكون جزءاً من مستقبل القطاع وحُكْمِه، بمعنى أن أي تعميمٍ لنموذجِ غزة على لبنان يعني تسونامي ضغطٍ على الدولةِ والحزبِ وصولاً إلى «الهدف الأمّ» المتمثّل في تفكيك ترسانته العسكرية «على البارد أو الحامي».

– وبالنسبة إلى «حزب الله» فقد بدا من المكبر تقدير ما سيقوم به في ضوء اتفاق غزة الذي ظهّر عملياً، بحسب أوساط على خصومة معه، أن «وحدة الساحات» التي زُجّ لبنان باسمها في «فوهة المدفع» ودمّرت قسماً كبيراً من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وقضت على كبار قادة الحزب تصحّ فقط «في اتجاه واحد» هو الحرب، أما في السلم فينطبق «لتنقذ كل ساحة نفسها»، بدليل أن «حماس» التي أسندها الحزب وأن كل الدفع نحو إطفاء حرب القطاع لم يشتمل على أي محاولةٍ لربْط لبنان بها عبر ضغطٍ يحاول إلزام إسرائيل بتطبيق اتفاق وقف النار.

ورغم ذلك، ترى هذه الأوساط أن «حزب الله» الذي يُعْلي شعار لا تسليم للسلاح قبل تنفيذ تل أبيب الشق المتعلّق بها من اتفاق 27 نوفمبر وبعدها حوار داخلي حول إستراتيجية أمن وطني يناقَش السلاح من ضمنها، قد لا يكون مستعجلاً على «إعادة تقويم الموقف»، مُراهِناً أولاً على أن اتفاق غزة ربما لا يكمل طريقه، وثانياً على أنّ حجمَ الأضرار التي خَرَجَتْ بها إسرائيل من حرب غزة ولاسيما على صورتها، وصولاً لتحوّل نتنياهو إلى شبه «منبوذ» دولياً، قد تشكّل عوامل تصعّب عليه الاندفاع نحو «غزة لبنانية»، ناهيك عن أنّ إيران التي تجد نفسَها تَخسر ذراعاً وراء الأخرى يَصعب أن تترك «ورقتها الأقوى»، وإن بعد الوهن الذي أصابها، في غمرة اشتداد الخناق حولها مجدداً بالعقوبات وعصا ضربة جديدة إسرائيلية أو أميركية.

– أما نتنياهو، فلا يمكن التكهّن بما سيقوم به بعد استعادة الأسرى خصوصاً، وسط اقتناعٍ بأنّ ما يعبّر عنه اتفاق غزة هو مشروع إستراتيجي لطيّ صفحة التنظيمات المسلّحة في المنطقة، أياً تكن، تمهيداً لقطار سلامٍ وازدهار ولو بعد «حرب أخيرة» على حزب الله ولبنان ما لم يُظْهِر إشاراتٍ إلى تسريع لمسار سحب سلاح الحزب، وسط خشية من أن ينصبّ كل الضغطِ الخارجي ما أن تستقرّ خطة ترامب، على بيروت وفق «المفاضَلات» نَفْسها التي وُضعت أمامها «حماس»، ومع عدم استبعاد أيضاً احتمال أن تندفع تل أبيب مجدداً في اتجاه إيران، التي يتوحّد الإسرائيليون تقريباً حول «خطرها الوجودي» عليهم.

ومجمل هذا المشهد يجعل لبنان أمام مفترَق خطيرٍ وقد يكون «الأخير»، على أهمية المواقف الرسمية التي رحّبت «بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل و«حماس»في مرحلته الأولى، والذي يهدف إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة»، كما قال رئيس الجمهورية العماد جوزف عون.

وقد أعرب عون عن أمله في أن«يشكل هذا الاتفاق خطوة أولى نحو وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني الشقيق في غزة»، مؤكداً «ضرورة استمرار الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفق مبادرة السلام العربية التي اقرتها القمة العربية في بيروت العام 2002».

وتمنى أن «تتجاوب إسرائيل مع الدعوات التي صدرت عن قادة الدول العربية والأجنبية من أجل وقف سياستها العدوانية في فلسطين ولبنان وسوريا لتوفير المناخات الايجابية للعمل من أجل سلام عادل وشامل ودائم يحقق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط».

ولم يقلّ دلالةً موقف رئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية، الذي قال «سنكون سعداء إذا توقفت حرب الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني على مدى عامين في قطاع غزة»، مشدداً على «وجوب الحذر من انقلاب إسرائيل على الاتفاق وهي التي عودتنا دائما التفلت من كل الاتفاقات والعهود التي أبرمتها وآخرها اتفاق وقف النار مع لبنان حيث أنها بدل الانسحاب وإطلاق سراح الأسرى ووقف العدوان احتلت أماكن لم تكن قد احتلتها، ودمرت قرى بكاملها».

وأضاف سائلاً «ماذا بعد غزة ؟ الجواب حتماً يجب أن يكون التوجه نحو لبنان لتطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه وممارسة المجتمع الدولي خصوصاً الدول التي رعت اتفاق وقف النار المسؤولية بإلزام إسرائيل بما لم تلتزم به حتى الآن منه (…)».

وتابع: «هل يعقل ألا تقول الحكومة اللبنانية لأبناء القرى الحدودية في عيتا الشعب وكفركلا وحولا (…) وكل قرى الشريط المدمرة، هؤلاء الذين عادوا لزراعة حقولهم وافترشوا منازلهم المدمرة ألا تقول لهؤلاء«مرحبا»؟ للأسف وكأن الجنوب ليس من لبنان! (…) ولا يجوز تحت أي وجه أن تربط الحكومة ملف إعادة الإعمار بأي أثمان سياسية».

زيارة الشيباني

في موازاة ذلك، تنشغل بيروت بزيارةٍ بالغة الأهمية أعلن أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني سيقوم بها لبيروت، حيث يبحث العلاقات اللبنانية – السورية والملفات العالقة مع مجموعة من المسؤولين يتقدمهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نواف سلام.

وتكتسب هذه الزيارة دلالات كبيرة كونها الأولى لمسؤول رفيع المستوى من «سورية الجديدة» إلى لبنان منذ سقوط نظام بشار الأسد، كما أن حصولها يشي بأن تقدُّماً حصل أو بات وشيكاً في عناوين رئيسية كانت في الأشهر القليلة الماضية محور متابعة ولا سيما المعتقلين والمفقودين السوريين في لبنان والمفقودين اللبنانيين في سوريا، وضبط الحدود ومنع التهريب وترسيم الحدود، إلى جانب ملف النازحين السوريين.

وفي الفترة الماضية، تم تأليف لجنتين مختصتين كلفتا إعداد الأرضية لاتفاقٍ قضائي يتعلق بالموقوفين السوريين والمحكومين (عددهم نحو 2000) واستردادهم وآخَر بالحدود تمهيداً لزيارة شيباني ومتابعة الملفات العالقة والتي أضيف إليها طلب بيروت تسليم متورطين في تفجيرات إرهابية واغتيالاتٍ سياسية.

وكان نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري قال بعد الاجتماع الأخير للجنة القانونية – القضائية المشتركة في بيروت أنها «ناقشت مسودة أولى لاتفاقية التعاون القضائي بين البلدين»، كما «تم تبادل لوائح الموقوفين السوريين في لبنان، لا سيما الذين أُوقفوا بتهمة الانتماء إلى فصائل معارضة للنظام السابق والذين لم يرتكبوا جرائم في لبنان».

وحسب البيان «أكد المجتمعون أهمية معالجة سريعة لعدد من الحالات والإسراع في إنجاز مشروع الاتفاقية الذي يضع الأسس القانونية لمعالجة شاملة لقضية السجناء والموقوفين السوريين في لبنان».

ومعلوم أن العلاقات وُضعت في كنف السعودية التي تولّت مباشرة رعايةَ إطارِ ناظمٍ لتنظيم هذه العلاقات على أسس من الثقة المتبادَلة التي تمهّد لمعالجة البلدي النقاط العالقة بينهما.

في هذا الوقت، كانت حركة لافتة للسفير السعودي في بيروت وليد بخاري الذي زار رئيس «لقاء سيدة الجبل» فارس سعيد في دارته في قرطبا.

وعبّر بخاري عن تفاؤله بأن «تحمل المرحلة المقبلة استقراراً وأملاً جديداً للبنان»، مشدداً «على حرص بلاده على مواصلة دعمها للشعب اللبناني في هذه الظروف الدقيقة».

وكان السفير السعودي زار النائب فريد هيكل الخازن في منزله في القليعات مؤكّداً أن«المملكة ستبقى إلى جانب لبنان وشعبه، حريصة على دعم استقراره ووحدته، وتشجيع كل ما يعزّز أمنه وازدهاره».

وشدّد على أن«العلاقات السعودية – اللبنانية راسخة ومتجذّرة، وأن المملكة تنظر إلى لبنان كجسر للحوار والانفتاح في المنطقة وتتطلّع إلى شراكة بنّاءة معه على مختلف المستويات والمجالات، وهي منفتحة على كل المبادرات التي تصبّ في مصلحة الاستقرار والتنمية المستدامة».

غزة «بعد الطوفان» ولبنان التالي… سِلْماً أم حرباً؟ .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...