عام على أمانة الشيخ نعيم: فقدنا فائض القوة وقاعدين عاقلين

في الذكرى السنوية الأولى لتبوئه سدة الأمانة العامة في “حزب الله” وصل الشيخ نعيم قاسم إلى الخلاصة التالية: “نحن كمقاومة جاهزون للدفاع، ولسنا جاهزين لشن معركة، ولا يوجد لدينا قرار لشن معركة ولا قرار بمبادرة قتال…”. مهادنة مع العدو الإسرائيلي وتهديد للحكم في لبنان. يصر على احتفاظ حزبه بسلاحه ويتوعّد الدولة بحرب كربلائية إذا  فكّرت بأخذ هذا السلاح. لم يكن هذا خطاب الشيخ نعيم بعد تسليمه الأمانة ومعاهدته “مولانا” السيد حسن نصرالله بالبقاء على العهد. في خطابه الجديد تراجع في اللهجة والموقف والإمكانات ووعد بأنهم في الحزب سيكونون “عاقلين” مع إسرائيل.

في “حوار خاص” على قناة المنار في 26 تشرين الأول 2025 أطلق الشيخ نعيم قاسم سلسلة مواقف كشف فيها عن استراتيجية حزبه في المرحلة المقبلة وخلاصتها أنه في حالة مهادنة مع إسرائيل.

قال إن “حزب الله” مشروع استراتيجي اختار الإسلام منهج حياته وكل المنضوين تحت هذا الاتجاه لديهم استعداد لأقصى التضحيات… “صحيحٌ أنني استشهادي، لكن كل من في الحزب استشهاديون… هذا الخط يصنع الاستشهاديين وبالحقيقة لا يضمّ فيه ولا يبقى فيه إلا من يريد أن يكون استشهاديًا وكلمة “استشهادي” تعني القبول باقتحام الصعاب من أجل تحقيق الفكرة ولا يهاب الموت… لم أكن أتوقع أن نخسر الأمين العام الثاني بهذه الفترة الوجيزة وبالطريقة التي حصلت ولم أكن أتوقع ذلك وقلت: حسّيتُ للحظات أنّ حياتي انقلبت وطريقة متابعاتي بدأت تتغيّر… لم أشعر يومًا أنني كنت وحيدًا، ولم أكن كذلك، كنا نتشاور مع الإخوان، ومع أعضاء مجلس الشورى، ونتخذ القرارات بناءً على رأي جماعي، كما كنا نتشاور مع القيادات العسكرية، نعطي الأوامر ونستمع إلى الاقتراحات… لم أقبل الذهاب إلى إيران خلال الحرب، وذلك لاعتبارات أخلاقية شخصية، وأخرى ميدانية تتعلّق بإدارة المعركة”.

دفعنا خسائر وتضحيات كبيرة

الشيخ نعيم قاسم تكلّم ببساطة عن استهداف منزل نتنياهو وكأنّ العملية كانت مبادرة شخصية غير ناتجة عن دراسة عسكرية قيادية مخططة: “أحد الإخوة في الميدان كان معه الخارطة ويعرف التوزيعات فأخبر مسؤوله قائلاً: إذا كان عندكم فكرة لضرب هذا المكان فأنا قادر أن أعدّ الإحداثية الدقيقة من أجل ضربه، الأخ أخذ الإذن ونفذ الضربة، وكان موفقًا”.

قال قاسم أيضا: “لا توجد معركة بلا بُعدٍ سياسي، لأنه يجب أن نرى كم يمكن أن تستمرَّ المعركة؛ وردودُ فعلِ العدوِّ تلعب دورًا في ذلك، وما الذي نريد أن نستهدفه؟… منذ العام 2006 حتى العام 2023 كان الردع تجاه إسرائيل قائمًا على إبراز فائض القوة… الآن أصبح لدينا تكتيك مختلف وعرض مختلف؛ على العكس، نحن لا نُظهر فائض قوة، ولا نمتلك فائض قوة… لقد أصبنا بأضرار كثيرة، ودفعنا خسائر وتضحيات كبيرة لم يُكشف عن جميعها، لكن هذه التضحيات أكّدت أننا ما زلنا نقف بثبات على أقدامنا، وأن جوهر القوة ليس في السلاح فقط، بل في الإيمان والإرادة، وهذان الإيمان والإرادة ما زالا حاضرين بقوة… نحن لا نصنع حربًا، نحن مقاومة ونحن حالة دفاعية… حالةُ حربِ الإسنادِ كانت دفاعيةً بالكامل…”.

لسنا جاهزين لشن معركة

عن سبب عدم الرد على إسرائيل قال: “بدلاً من أن تكتفي بشبرٍ من الأرض ستكون لها كلّ الأرض، وبدلاً أن تملك سيطرةً صغيرة ستكون لها سيطرةٌ كبيرة، وبدلاً أن تقضي على هذه المجموعة ستقضي على الأجيال القادمة… نحن لا نأخذ شعبنا إلى خياراتٍ سيِّئة، بل نأخذه إلى خياراتٍ عظيمة… كم ستدوم هذه المرحلة؟ كم سيستطيع الإسرائيلي أن يفعل ما يريد في ظلّ اختلال ميزان القوى؟ ربما ينفجر من الداخل غدًا…”.

حسم الشيخ نعيم توازن القوى لمصلحة إسرائيل وقال: “نحن كمقاومة جاهزون للدفاع، ولسنا جاهزين لشن معركة، ولا يوجد لدينا قرار لشن معركة ولا قرار بمبادرة قتال. لكن إذا فُرضت علينا معركة، ولو لم يكن لدينا سوى خشبة، فلن نسمح للإسرائيلي أن يمرّ، سنقاتله حتى لو لم يبقَ منا رجل أو امرأة”.

نحن متفاجئون بك

في 8 تموز 2025، كشف الشيخ نعيم في مقابلة تلفزيونية كيف تولى القيادة العسكرية والسياسية والجهادية، وكيف كان أهلًا لها بناء على رأي خبراء عسكريين. سئل: “أنتم فعلاً كنتم تديرون العمل العسكري أم كما قيل لنا الجانب الإيراني هو الذي جاء وأدار العملية العسكرية؟ القرار لمَن؟ التوجيهات ممن؟”.

قال: “الأمين العام في “حزب الله” هو رئيس المجلس الجهادي، يعني هو معني بإدارة العمل العسكري… أنا سأقول لك أمرًا قاله لي أحدهم من القادة العسكريين، إيراني، وآخَر لبناني لكنه ليس في الحزب، تكلما معي بشكل مباشر لكن، هناك ناس تكلموا في أماكن أخرى. قال لي نحن متفاجئون بك، قلت له لماذا؟ قال كيف تدير معركة عسكرية؟ فأنت لا علاقة لك بالموضوع، قلت له أريد أن أسألك سؤالًا، إدارة حزب وإدارة مقاومة ما مقوّماتها الأساسية؟ أولًا أن يكون المرء عنده بعض الكفاءة بالقدرة الإدارية، ثانيًا أن يكون عنده وعي سياسي يفهم هذا “الحزب” ماذا يريد وما هدفه، ثالثًا أن يكون عنده تجربة وخبرة بحيث أن عنده إطلالة إجمالية على ما في هذا “الحزب” وعلى قدراته وعلى وضعه حتى يستطيع أن يُدير، هذه الثلاثة متوفرة، أنا عضو شورى مع سماحة الأمين العام، ونائب للأمين العام لـ 32 سنة، في داخل الشورى كان سماحة السيد يحضر الهيكليات العسكرية، أسماء القيادات العسكرية تُقرَّر في الشورى… حين نقاتل أو حين نردّ على عمل عسكري إسرائيلي أو ما شابه، كل هذا يُعرَض في داخل الشورى… يعني عندنا شيء من الإلمام بكيف تصدر القرار العسكري. قلت أيضًا لهذا الأخ ليس مطلوب من القائد أن يعرف كم طول السبطانة، ويعرف الفرق بين عناوين القذائف أو الطائرات المسيّرة… يقول الأمين العام أريد ضرب حيفا، يقول لك المسؤول يمكنك أن تضرب حيفا بهذه الطريقة أو تلك الطريقة أو تلك… فبما أنه أمين عام يأخذ القرار اضربها بالطريقة الثانية، هذه لا تحتاج أن يكون عنده خبرة عسكرية كافية”.

المقاومة جاهزة للاقتحام البري؟

هكذا بسّط الشيخ نعيم مهمة الأمين العام. لم يكن هذا واقع الأمر مع أسلافه السادة عباس الموسوي وحسن نصرالله وهاشم صفي الدين. ولكنه في الواقع كان عليه أن يرثهم جميعًا ويرث ما تراكم على “الحزب” من خسائر مني بها خصوصًا في الحرب الأخيرة.

في الكلمة الأولى التي وجّهها الشيخ نعيم في 30 أيلول 2024، بعد ثلاثة أيام على اغتيال نصرالله قال: “الإخوة يتابعون عملهم وفقًا للهيكلية المنظمة، ويعملون وفقًا للخطط البديلة للأفراد والقادة… ما نقوم به هو الحد الأدنى من خطة متابعة المعركة وما يتطلبه الميدان… سنواجه أي احتمال، والمقاومة جاهزة للاقتحام البري، ونعلم أن المعركة ستكون طويلة، ومستعدون لمواجهة أي احتمال… المصاب جلل، ولكننا واثقون أنّ العدو لن يحقق هدفه وسنخرج منتصرين من هذه المعركة”.

إلى ذلك؛ أشار الشيخ قاسم إلى أن “إسرائيل لن تتمكّن من أن تطال قدرتنا العسكرية… قدرتنا متينة وكبيرة، والعدو يجن بسبب عدم قدرته على الوصول إلى قدراتنا… سنختار أمينًا عامًا للحزب في أقرب فرصة بحسب الآلية المعتمدة في الحزب، والخيارات سهلة وواضحة؛ لأننا على قلب واحد… في هيكيلية حزب الله هناك نواب للقادة وبدائل احتياط جاهزة عند إصابة القائد في أي موقعٍ كان”.

مقاومة ذات هجوم دفاعي

كان يلمح إلى كونه نائبًا لنصرالله ويمكن أن يحلّ محلّه. ولكنه اتصل بالسيد صفي الدين للتشاور في ما يجب عمله. وتوافقا على أن يوجّه الشيخ نعيم هذه الكلمة لطمأنة “الحزب” وأتباعه. ولكن الشيخ نعيم، الذي كان مسلّمًاا بأن يتم اختيار صفي الدين لتولّي الأمانة العامة، لم يتوقع أن يتمّ اغتياله في 3 تشرين الأول. هكذا وقع الخيار عليه، ربّما لأنه كان الخيار الوحيد في تلك الحرب. في الكلمة الأولى التي وجّهها في 30 تشرين الأول 2024 بصفته الأمين العام لم يكن مهادنًا. أكّد الإستمرار في الحرب والنصر. وشكر “ثقة قيادة “حزب الله”، قيادة الشورى الموقرة المؤتمنة من المجاهدين والناس على هذه المسيرة، أنهم اختاروني لهذا الحمل الثقيل”. أعلن أن برنامج عمله هو “استمرارية لبرنامج عمل قائدنا السيد حسن نصر الله. سنستمرّ في تنفيذ خطة الحرب التي وضعها مع قيادة المقاومة… ومن ثمّ الأفضل أن يكون لدينا مقاومة ذات هجوم دفاعي من أن نكون من المنتظرين لا نفعل شيئًا بانتظار أن تهجم علينا “إسرائيل” وتُباغتنا بطريقة أو بأخرى. على كل حال، نحن اعتبرنا أنفسنا في إطار الدفاع الاستباقي والجهوزية وهذا هو مسار الحماية والتحرير”.

هكذا خلال أقلّ من عام انقلبت الآية. من الهجوم الدفاعي إلى عدم فعل شيء.

قذائف مشحونة بحب الحسين

قاسم الذي أقرّ بجسامة الضربات التي تلقاها “الحزب” تحدّث عن ملء الفراغات التي سببتها الاغتيالات بحيث تولّى من هم في الصف الثاني مسؤوليات من كانوا في الصف الأول. هذه مسألة روتينية لا تعني ملء الفراغات وتجاوز الأزمة. اعتبر أن ما يميّز “الحزب” هو أن “الرصاص معه إيمان وتوكّل على الله، طبعًا لن تجد مثله في السوق، هذه قذائف مشحونة بحب الحسين وعشق الحسين” مضيفًا: “لا أحد يستطيع أن يتقدّم عليهم، طبعًا نحن حسبما قال سيدنا، نحن ننتظر الالتحام، أي معتبرين أن المواجهة الأمامية تأخذ عدة أيام وبعد ذلك الالتحام، وإن شاء الله يشاهدون الذي لا يُرى بالالتحام، فليقتربوا… ألا تريدون أن تصلوا إلى الليطاني؟… المقاومة استطاعت أن ترسل مسيرة إلى غرفة نوم نتنياهو، أتعرفون، نتنياهو يموت الآن من الرعب…”.

سأل قاسم: “هل تطول الحرب؟ الظاهر أنّ الانتخابات الأميركية مفصل لأنه يأتي رئيس يصبح قادرًا أن يأخذ خيارات معينة، لا يبقى نتنياهو “فلتان” مثل ما يريد”.

طبعا لم تصح توقعات قاسم. اضطر “الحزب” إلى أن يوافق على اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني بعد شهر واحد من تولّيه الأمانة العامة، ووصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض داعمًا نتنياهو بكل قوة إلى حدّ قوله إنه كان يطلعه على مجريات الحرب ويأخذ موافقته عليها.

عام على أمانة الشيخ نعيم: فقدنا فائض القوة وقاعدين عاقلين .

Search
Latest News
Loading

Signing-in 3 seconds...

Signing-up 3 seconds...