مات عرض التفاوض الذي تطرّق إليه رئيس الجمهورية جوزف عون في مهده. فعندما تحدّث عن أن لا بدّ من التفاوض مع إسرائيل لحل المشاكل العالقة، لم يأتِه أيّ تعليق من واشنطن أو من تلّ أبيب.
أمّا “حزب الله” الذي لا يمانع في مفاوضات غير مباشرة، قد تكون له مصلحة في التفاوض، كما تقول مصادر وزارية. فهذا الوضع سيؤدّي إلى اتّفاق جديد لوقف النار مغاير لمّا نصّ عليه الاتّفاق الأخير. وإذا تمكّن “الحزب” من الاستحصال على وقف حقيقي للعمليّات الإسرائيلية، فسيكون قد حصل على مكسب. فيرتاح من حرب الاستنزاف اليومية البشرية وفي البنية التحتية، وتتاح له الفرصة لالتقاط الأنفاس، والتركيز في المرحلة المقبلة على الاستحقاق الانتخابي، الذي يعتبره مفصليّاً.
ولكن السؤال البديهي هو: لماذا ستقبل إسرائيل بوقف العمليّات، وما الذي يضطرها إلى ذلك؟ فهي التي تمسك الآن زمام المبادرة. تنفّذ غارات على أهداف ساعة تريد، وتقصف المعدّات التي يمكن استخدامها في إعادة البناء، وتغتال قياديين، من دون أن يقوم “الحزب” بأيّ ردّ فعل. فبأيّ منطق، ستقبل إسرائيل الشروط التي يضعها “الحزب” للتفاوض غير المباشر، وهي وقف العمليّات العسكرية أوّلاً، وليس في يده أيّ وسيلة ردع؟
على العكس من ذلك، تطالب إسرائيل بنزع السلاح من دون تقديم أيّ تنازلات من جانبها. إذ إنّها تريد فرض شروطها، طالما أنّها هي التي ربحت المعركة. وما لم يتمّ سحب السلاح بالكامل، وعلى كلّ الأراضي اللبنانية، لا شيء يدعو تلّ أبيب إلى التفاوض مع لبنان. فهي تسيطر على الأجواء، وتراقب كلّ شاردة وواردة، وتتمركز في النقاط التي تحتلّها في الجنوب. وهذا الستاتيكو يناسبها جدّاً في الوقت الراهن، ريثما تنتهي من ملفّ غزّة، حيث وقف النار هناك معرّض للانهيار في أيّ لحظة، طالما أن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتّفاق لا تزال متعثّرة.
وفوق ذلك كلّه، يمكنها العودة إلى الحرب الواسعة، من دون أن تجد من يمنعها عن هذا الأمر. وتضجّ التحليلات الإعلامية بمعلومات عن قرب حصول عملية إسرائيلية كبيرة، هدفها القضاء على ما تبقّى من “الحزب” وبنيته. وتمهّد لذلك التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن أنّ “الحزب” يعيد بناء نفسه ويتحصّن ويستعدّ لصراع كبير. وهذه التقارير تحضّر الأرضية لهجوم إسرائيلي واسع، وتعطي المبرّرات لعدم وضع واشنطن أيّ فيتو على هجوم من هذا النوع. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكّد أنّه ليس في حاجة لأخذ إذن من أيّ جهة لتوجيه ضربات، سواء في غزّة أو في لبنان.
وفي هذه الأجواء، تكثّف الولايات المتّحدة ضغوطها في غزّة من أجل الحفاظ على وقف النار، وفي لبنان لتحذير المسؤولين من أنّ عدم اتّخاذ أيّ خطوات عملية لسحب السلاح، ستكون عواقبه وخيمة، لأنّ إسرائيل لن تتورّع عن تولّي المهمّة بنفسها. ولن تكون العاصمة وضاحيتها الجنوبية في منأى عن الضربات، كما هو الحال اليوم. ويلاحظ تكثيف إسرائيل لضرباتها في الجنوب والبقاع في الأيّام الماضية، بالتزامن مع ما أوردته هيئة البث الإسرائيلية في الساعات الماضية عن أنّ “إسرائيل أبلغت الولايات المتّحدة نيّتها تعزيز الهجمات في لبنان، ردّاً على محاولات حزب الله إعادة بناء قوّته العسكرية، ومحاولاته تهريب أسلحة من سوريا”.
وما من دلالة أكثر وضوحاً على حساسية اللحظة التي يمرّ بها لبنان، سوى الزيارات المكثّفة لمسؤولين أميركيين وعرب لبيروت. وقد أُعلن أنّ المبعوث السعودي الأمير يزيد بن فرحان سيزور لبنان خلال الساعات المقبلة، بالتزامن مع زيارة خاطفة لرئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد للبحث في الوضع المتوتّر بين لبنان وإسرائيل وإمكان القيام بمبادرة على غرار مبادرة غزّة.
أمّا أميركيّاً، فوصفت مصادر زيارة الموفدة مورغان أورتاغوس الحالية بأنّها على قدر من الأهمّية. فهي لا تحمل أيّ مبادرات، ولكنّها تحاول إقناع لبنان بتجنّب حرب إسرائيلية جديدة من خلال العمل الجدّي على نزع سلاح “حزب الله”.
خاص- إسرائيل لا تريد التفاوض مع لبنان .




