ليس قرار وقف استشفاء السوريّين بدءاً من 1 تشرين الثاني المقبل وليد الصدفة، بل سبقته قرارات “تقشفية” عدّة، ولكن، أيّ تداعيات اجتماعية وصحّية للأمر، والأهم هل من “ارتدادات” جانبية على لبنان؟
منذ عام 2023، بدا واضحاً أن ثمة تقشفاً في الموارد المالية – النقدية التي تصل إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
يضع عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الخبير الاقتصادي بيار خوري المعادلة كالآتي: “لا تمويل دولياً، لا قدرة محلية على التعويض، ولا رؤية مشتركة لإدارة الأزمة”.
والسؤال: “إذن، أي تداعيات ستصبح كارثية؟”.
يجيب: “توقف التغطية الصحّية ستكون له ارتدادات صحية فورية وخطيرة على عشرات آلاف المرضى. جزء كبير من اللاجئين يعتمد على المساعدات لمتابعة أمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم والربو والفشل الكلوي، وهذه الحالات تحتاج إلى متابعة وفحوص وعلاج منتظم لا يمكن تأجيله. الحالات الطارئة والجراحات الأساسية والولادات ستكون الأكثر تأثراً، إذ لا قدرة مالية لمعظم الأسر على تحمّل كلفة دخول المستشفى”.
خلال عام 2024 أظهرت تقويمات ميدانية أن نسبة كبيرة من السوريين امتنعت أصلاً عن تلقي العلاج بسبب الكلفة، ومع وقف الدعم سيصبح الحرمان الصحي كاملاً تقريباً، يرى خوري أن “هذا الأمر سيعني ارتفاعاً محتملاً في الوفيات والإعاقات الدائمة ومضاعفات يمكن، في الظروف الطبيعية، تفاديها بسهولة. ومع غياب البدائل، سيزداد الضغط على المستشفيات الحكومية الطارئة، التي تشكو أصلاً من نقص في التمويل والتجهيزات”.
بدءاً بالتقليص لبرنامج المساعدات النقدية، مروراً بخفض خدمات الإيواء، وصولاً إلى الخدمات الاستشفائية، بات اللاجئون السوريون أمام “قيود” من نوع آخر.
صدمة تتوسّع
بالأرقام، كانت المفوضية تدفع نحو 20 مليون دولار سنوياً بدل خدمات استشفائية، فأي تأثير اليوم لوقف هذا الدعم؟
يعلق خوري: “الصدمة الصحية ستتوسع اجتماعياً. الأسرة التي تعجز عن علاج طفل مريض أو ربّ أسرة مصاب بمرض مزمن ستنزلق نحو مستويات أعمق من التدهور الصحّي والفقر، واللجوء إلى الطرق غير المشروعة سيتصاعد، والإنفاق على الصحة سيُعوّض من الغذاء والتعليم والسكن. هذا سيعني مزيداً من التسرّب المدرسي، عمالة الأطفال، والانهيار النفسي داخل العائلة، ويمكن أن تتزايد حالات التشرّد أو الانتقال إلى مساكن أقلّ أمناً مع تفضيل الأسر تأمين أدنى مستلزمات البقاء على أي كلفة أخرى. ففي مجتمع يعيش فيه السوري في الأصل تحت ضغط قانوني واقتصادي ومعيشي، فإن حرمانه من العلاج يفتح الباب أمام اضطرابات اجتماعية وصحية ومجتمعية لا تقتصر عليه وحده، بل تمتد لتصيب المجتمع اللبناني أيضاً عبر انتشار الأمراض وارتفاع التوترات”.
هكذا، لن يكون لبنان بمنأى عن “هذا الاضطراب”، فهل يمكن أن يؤدي إلى الانهيار التام؟
يرى خوري أنه “لا يزال ممكناً تجنّب الانهيار، على الرغم من قتامة المشهد، إذا جرى التحرك سريعاً نحو بدائل واقعية يمكن تطبيقها”، مؤكداً أن “المطلوب أولاً إنشاء آلية طوارئ قصيرة الأمد للرعاية المنقذة للحياة والولادات والحالات الحرجة فقط، بتمويل جسري يضمن استمرارية العمل في المستشفيات حتى منتصف 2026، فضلاً عن تقليص الضغط على الاستشفاء عبر توسيع الرعاية الأولية المنخفضة الكلفة، وتفعيل العيادات المتنقلة في المناطق الأكثر فقراً، وتأمين الأدوية الأساسية للأمراض المزمنة عبر شبكة مراكز الرعاية الصحية. ويمكن تعويض جزء من العجز عبر شراكات مع منظمات طبية كأطباء بلا حدود والصليب الأحمر، وبرامج قسائم صحية مخصصة للأسر الأكثر انكشافاً، مع تشديد الرقابة على الفواتير الطبية وتوجيه الإحالات الاستشفائية نحو الحالات الضرورية. هذا، مع إشراك البلديات والمجتمع المحلي والجامعات والمستشفيات التعليمية في توفير خدمات دورية مجانية أو منخفضة الكلفة حتى تستعيد المنظومة الدولية قدرتها على التمويل”.
بالمحصلة، إن ترك اللاجئين بلا استشفاء لن يؤدّي إلى خفض الأعباء بل إلى مضاعفات صحية واجتماعية واقتصادية أخطر بكثير. ووفق خوري، “ما يمكن إنقاذه اليوم يعتمد على السرعة والجدية في بناء بدائل واقعية تمنع تحوّل الأزمة إلى كارثة إنسانية داخل مجتمعين مهددين معاً: المجتمع اللاجئ والمجتمع المضيف”.
توقّف استشفاء السوريّين من غد ارتدادات صحّية واقتصادية على لبنان .


 
															

