من دون ترتيبات مسبقة، طلب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أن يطل في مقابلة على شاشة تلفزيون حزبه الخاصة، لإيصال رسالة عاجلة إلى من يهمهم الأمر.
بعد التدقيق في مضمون الرسالة الأساسية التي أوصلها قاسم في المقابلة “المعلبة”، اتضح، بشكل لا لبس فيه، أنّ هدفها التراجع عن سرديات الحزب وإيران، وكلها تتمحور حول أنّ “المقاومة الإسلامية في لبنان” استعادت القوة التي كانت عليها، قبل الثامن من تشرين الأول 2023، تاريخ انضمامها إلى “حرب طوفان الأقصى”، وفق استراتيجية “حرب المساندة”، تحت شعار “الطريق إلى القدس”!
محور الرسالة التي وجهها قاسم واضحة ويختصرها قوله: “نحن لا نملك فائض قوة، فلماذا نُظهر أكثر ممّا نملك؟ ونحن جاهزون للدفاع عن النفس حتى آخر رجل وامرأة، ولكننا لسنا جاهزين لشنّ معركة”.
استعجال قاسم لإيصال هذه الرسالة، له أسباب كثيرة أهمّها على الإطلاق، الإجماع اللبناني والعربي والدولي على أنّ التهديدات الإسرائيلية بشن حرب على لبنان، توافرت بفعل ما يتم ترداده عن استعادة الحزب قوته.
ومنذ أشهر، بالتكافل والتضامن، بين الحزب وإيران، سرت سردية تجزم بأنّ “المقاومة الإسلامية” عادت إلى القوة التي كانت عليها في عام 2023. وذهب بعض الدعائيين في كلامهم إلى الحديث عن خطط الحزب لأسر جنود إسرائيليين واستهداف مواقعهم، بطريقة سوف تذهل العالم.
ومع وقف النار في غزة، وتفرغ إسرائيل للجبهة الشمالية، تحوّلت سردية “حزب الله” من مجرد محاولة لرفع معنويات حزب تغتال إسرائيل قياداته الميدانية يومياً وتقصف مواقع محتملة له وتمنع مناصريه من العودة إلى بلداتهم وممتلكاتهم وتقضي على ما تبقى له من ثروة ميكانيكية يمكن استخدامها في إعادة الاعمار، (تحوّلت) إلى شبه حقيقة في تحقيقات صحافية امتدت من الولايات المتحدة الأميركية، مروراً بأوروبا، وصولاً إلى إسرائيل.
واستغلت الحكومة الإسرائيلية هذه السردية، لتبني في كل من واشنطن وباريس، مشروعية حرب جديدة على “حزب الله”. ويبدو أنّها نجحت في ذلك، فالمسؤولون اللبنانيون بعد طول اطمئنان إلى أنّ الكلام عن حرب جديدة مجرد تهويل، أصبحوا قلقين من احتمال وقوعها فعلاً. والراعي الأميركي الذي كان ملجأ شكوى، أصبح في مقالة توم براك الأخيرة وفي جولة مورغان أورتاغوىس برفقة وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، مصدراً لإعطاء التهديد جدية مطلقة.
ولم تأت لا المواقف ولا المعلومات، بشكل منعزل عن الميدان، ففيما أجرت فرقة الجليل في الجيش الإسرائيلي أكبر مناوراتها الدفاعية والهجومية، كثف سلاح الطيران عملياته في الجنوب والبقاع ووسع دائرة أهدافه.
وفي ضوء أجندة الزيارات التي يمكن أن تحمل ما يمكن اعتباره “الإنذار الأخير”، وجد قاسم نفسه مضطراً إلى أن يخرج إلى العلن برسالة “مزيّنة” للقول إنّ كلام الحزب في مكان مختلف تماماً عن واقعه، فهو أصبح حالة دفاعية “استشهادية”، ولم يعد يشكل أيّ خطر على أمن إسرائيل.
ولكن هل يجدي ذلك نفعاً؟
لا، تجيب أوساط واسعة الاطلاع على كواليس التواصل بين لبنان والخارج، فـ”حزب الله” أعطى حجة للحرب، ولكن هدف الحرب ليس ضرب القوة التي استعادها الحزب، بل القوة التي يحتفظ بها!
وتفيد أنّ حالة واحدة يمكن أن تجنّب لبنان الوقوع في مآسي حرب جديدة، وهي أن يقدم لبنان على نزع سلاح الحزب وحظر تنظيمه المسلح.
وتشير الى أن كل الدعوات إلى مفاوضات بين لبنان وإسرائيل لن تجدي نفعاً، قبل أن تنجز الحكومة اللبنانية ما تعهدته في الخامس من آب/أغسطس الماضي، بحيث حددت بنفسها مهلة إنجاز حصر السلاح بيد الدولة في مهلة أقصاها نهاية العام الجاري.
وتفيد بأنّ إسرائيل تستعد لتقوم بمهمة ضرب ما تبقى من قوة مسلحة لـ”حزب الله”، مع انتهاء هذه المهلة، في حال لم تتمكن الحكومة اللبنانية من الإيفاء بتعهداتها!
أدرك “الحزب” أنّه أوقع نفسه في الفخ… فتراجع! .



