هل يملك الحزب سلطة اتخاذ قرار سلاحه؟

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي قبل التوصل إلى اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن رئيس البرلمان الإيراني محمد قادر قاليباف في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن “إيران ستكون مستعدة للتفاوض في شكل ملموس حول إجراءات تنفيذ القرار 1701 مع فرنسا، التي ستكون وسيطا بين “حزب الله” وإسرائيل”. لم يذكر المسؤول الإيراني الولايات المتحدة ولو أن هذا الأمر كان واضحا من ضمن المضمون، فيما اشرأبت الدولة اللبنانية للرد عليه استنكارا ورفضا. لكن هذا الرفض لا يعني تخلي إيران عن موقفها، وقد دأبت على إرسال موفديها إلى بيروت في زيارات علنية، غير تلك التي يتولاها قادة الحرس الثوري في إدارة “حزب الله” وفق ما تكشفت الأمور، كل شهرين أو ثلاثة. وهذا ما يرجح توقع زيارة قريبة لأحد ديبلوماسييها أو مسؤوليها في الأسابيع القليلة المقبلة بعدما كانت آخر زيارة لوزير خارجيتها عباس عراقجي لبيروت في أوائل حزيران/يونيو بذريعة توقيع كتاب له.

مغزى ذلك وفق مصادر سياسية، التساؤل عما إذا كان “حزب الله”، فيما لو تحلى بالمسؤولية عن مستقبل بيئته واللبنانيين في شكل عام، يستطيع اتخاذ القرار أو يملك سلطة القرار لبت نزع سلاحه، أو إذا كانت إيران لا تزال تحتاج إليه كورقة محتملة للمساومة والتفاوض مع الدول الغربية، فيما تستقطب الإجراءات والتغييرات الداخلية التي تتخذها على ضوء الحرب الإسرائيلية – الأميركية عليها، الانتباه على مستويات متعددة.
لا تتأثر إيران حكما بالضغوط على الدولة اللبنانية، وقد استخدمت لبنان ساحة ورهينة مدى أعوام طويلة، فيما تدفع الحزب أو تشجعه على الانتظار لاتخاذ قرار تسليم سلاحه، على خلفية أن تعليمات إيران هي في اتجاه أن يبقي الحزب على سلاحه وفق معلومات ديبلوماسية. والمؤشرات الداعمة المعززة لهذه المعلومات عقد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي إسماعيل قاآني اجتماعات مع جهات فاعلة شيعية عراقية مدعومة من إيران على مدار الأسابيع القليلة الماضية لمناقشة الجهود التي من شأنها الحفاظ على أعضاء محور “المقاومة ” الإيراني في العراق وتعزيزهم. فإيران تسعى إلى الحفاظ على قوة امتداداتها في المنطقة في أعقاب عامين من الصراع مع إسرائيل، وهو ما أضعفها وأوهن ركائزها في المنطقة، وتسعى إلى التصدي لاتجاهات تعتقد أنها تهدف إلى تطويقها، والتي تقودها دول خليجية مؤثرة.
وفي ظل انشغالات مضنية حالت وتحول دون الانتباه كليا إلى المؤتمر الذي عقد في الأمم المتحدة في 28 تموز/يوليو الماضي برعاية سعودية – فرنسية من أجل تسوية سلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، لفتت المصادر الديبلوماسية إلى ما تضمنته الوثيقة الختامية من دعوة حركة “حماس” إلى إطلاق الرهائن ونزع سلاحها، في خطوة ضرورية نحو إطلاق وقف النار والحل السياسي الدائم للحرب الإسرائيلية – الفلسطينية. جامعة الدول العربية صادقت على الوثيقة، وهي المرة الأولى تتبنى رسميا مثل هذا الموقف من “حماس”. هذه النقطة هي للقول ان لا تراجع كذلك عن مطلب حصرية امتلاك الدولة اللبنانية حصرية قرار السلم والحرب، وتاليا حصرية السلاح، ولا تهاون أو استسلام أمام العقبات المانعة لذلك.
هذا لا يعني أن الحزب لم يستطب خلال العقدين الماضيين على الأقل السيطرة على قرار لبنان وفرض نفوذه وإرادته عليه، وإن بكلفة باهظة لا يزال يدفعها البلد، فيما يتحصن بإيديولوجيته الدينية والطائفية من أجل منع قيام الدولة. ولكن ثمة اقتناع بأن كل هذا التحصن يمكن أن يضمحل متى عقدت إيران اتفاقا مع الولايات المتحدة.
في ظل الرفض المعلن للحزب لالتزامه مقتضيات استكمال الدولة سيادتها ومحاولته إعادة استحضار تحالفات تشكل غطاء سياسيا له وتمنع عنه العزلة الداخلية، تدفع جهات سياسية في اتجاه استراتيجية للدولة لتطويق معاكسة الحزب لنهوضها وبناء مؤسساتها من خلال خطوات تستطيع التصدي فيها لمطالبه وعدم تنازلها إزاء هذه المطالب في ضوء خذلانه لها، ومصارحة الرأي العام اللبناني بأن ممانعة الحزب تؤدي إلى تجفيف أي مساعدة أو أموال للبنان. والحال نفسها بالنسبة إلى مقاطعة محاورته من بعض دول الخارج وفق ما يطمح إليه على سبيل فرض شروطه أو إظهار قدراته على اتخاذ القرار بديلا من الدولة أو التفاوض بدلا منها. فالخشية، كل الخشية، من منطقة عازلة تفرضها إسرائيل في الجنوب وتتلاقى معها مصلحة الحزب من أجل الاستمرار في تبرير سلاحه، بالإضافة إلى حال استنقاع واهتراء للوضع في لبنان في ظل وضع إقليمي ودولي متحرك سيحيد الأنظار عنه، تماما كما يرغب الحزب.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي قبل التوصل إلى اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلن رئيس البرلمان الإيراني محمد قادر قاليباف في مقابلة مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن “إيران ستكون مستعدة للتفاوض في شكل ملموس حول إجراءات تنفيذ القرار 1701 مع فرنسا، التي ستكون وسيطا بين “حزب الله” وإسرائيل”. لم يذكر المسؤول الإيراني الولايات …

August 6, 20254:57 am

Share this post
Twitter
Facebook
WhatsApp
Email

Related posts

أخبار محلية ودولية
“الحجّ” إلى الشّام آفة لبنانية والشرع يرفض استقبال هؤلاء

يُعدّ تاريخ العلاقات اللبنانية – السورية من أكثر العلاقات الثنائية تعقيدًا في الشرق الأوسط، حيث تداخلت الاعتبارات السياسية والأمنية والاقتصادية وأخطرها العقائدية. إذ سيطرت دمشق طويلًا على القرار اللبناني، سواء من خلال النفوذ والاحتلال المباشرَين أو عبر دعم ميليشيات وأحزاب وشخصيات سياسية، لا سيما في مرحلة نظام “الأسدَين” الأوّل والثاني. وتُعتبر سوريا بحكم موقعها الجغرافي، …

Read More