خُذْ نفسًا عميقًا، فأنتَ هُنا، في مدينةٍ لا تُشبهُ غيرها، بين أعمدةٍ صامِدةٍ، بين حِجارةٍ لم تَنحنِ رغم العواصفِ، حجارةٍ حَملت آثار الزَّمنِ وشهدت على الحُروبِ والعدوانِ، لكنَّها بَقيت شامِخَةً، كما ييقى أَهْلُها.
تَنَفَّسْ، أنتَ في مدينة بَعْلبك، قلعةِ الصُّمودِ وَالسِّياحَةِ، في كل نفسٍ تتنفسهُ هُنا حِكايةٌ لِعِنادِ المكان، وكل حجرٍ يَرْوي قِصَّةً من الماضِي، ليس عبثًا عندما نقولُ بأنَّ للحجارةِ ذاكرةً، حيث اختلطت الحضارات بِأعمدتها الشّامخةِ وروايات من الماضي العريق. هُنا حصلت أضخم المهرجانات الفنية، هُنا كانت السَّيِّدَةُ فَيْروز تُغَنِّي لبَعْلبك، هُنا وقف أَهم الفنانين والملحّنين لِيُغنُّوا لأعمدةٍ شامخةٍ.
هُنا ليست مجرَّد أَعمدةٍ، بل هُنا تاريخٌ يحمل توقيع الحضارات.
أغمض عينيكَ للحظةٍ وَدَعِ الأعمدة تروي لك قِصَّتَها، ستسمع صَدَى ضحكاتِ الكهنة وهم يرفعونَ قَرابِينَهُم لِلآلِهَةِ في معبد باخُوسَ، ستسمع صَليلَ سُيوفِ الفاتِحِينَ، وستشعر برجفةِ الزَّمن وهو يمرُّ بِكَ، هُنا حتى الشُّقوق في أَعْمِدَتِها تروي قصَّةً لا تنتهي عن الصُّمودِ، وحتى جِراحُها تَبْدو كأوسِمةٍ.
خُذ نفسًا آخَرَ، أشعر بِصَدَى الكلمات التي تتردد بين الجُدران عن الكبرياءِ والقوة، فالحجرُ هُنا يتنفَّسُ معك، ينبض مَعَكَ، ويُذكرك أنك في حَضْرَةِ الخُلودِ.