حلفاء الحزب يبتعدون عنه: السلاح أم حسابات أخرى؟

حلفاء الحزب يبتعدون عنه: السلاح أم حسابات أخرى؟

لطالما ظلّ سلاح “المقاومة” محاطًا بغطاء سياسي واسع، يحميه توافقٌ عابر للطوائف، من مسيحيين وسنّة ودروز، وصولًا إلى الإجماع الشيعي الكامل، الذي اعتبره درعًا واقيًا للبنان في وجه الأطماع الإسرائيلية، فيما بدت الدولة عاجزة عن حماية حدودها وسيادتها. وكان ذلك الغطاء بمثابة سقفٍ متين يصدّ العواصف، إلى أن بدأت رياح التحوّلات الداخلية تهزّه، وتكشف تصدّعاته في مرحلة سياسية شديدة الحساسية.

التحالفات التقليدية
مثّل هذا الغطاء سياسيًا “التيار الوطني الحر” و”تيار المردة” على المستوى المسيحي، و”جمعية المشاريع” و”تيار الكرامة” على المستوى السنّي، و”الحزب الديمقراطي اللبناني” على المستوى الدرزي. إلا أن الشارع اللبناني، بعد حرب الإسناد وما خلّفته الحرب الأخيرة من تداعيات، ومع بداية عهد جديد، وتصاعد الدعوات إلى حصر السلاح بيد الدولة، بات يلحظ تحوّلًا في الخطاب، بدأه منذ سنوات “التيار الوطني الحر”، ويستكمله اليوم معظم حلفاء حزب الله التقليديين، كـ”تيار المردة” و”تيار الكرامة” وغيرهما.

موقف المردة
كان لافتًا تصريح النائب طوني فرنجية حول حصرية السلاح، إذ أكد ثقته الكاملة في رئيس الجمهورية جوزاف عون. وهذا الموقف أثار علامات استفهام حول توجهات أحد أبرز الحلفاء التاريخيين لحزب الله. وقد تواصلت “المدن” مع أوساط تيار المردة  للوقوف على خلفيات هذا الموقف، وعما إذا كان يعني انضمام التيار إلى المطالبين بنزع سلاح الحزب.

الأوساط تؤكد أن لا تخلّي عن حزب الله، وأنّ المسألة يجب أن تُعالج ضمن إطار الوحدة الوطنية. فإذا استطاع رئيس الجمهورية تأمين الضمانات الكفيلة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية والتوصّل إلى حلّ شامل لا يشعل فتنة داخلية، فإنّ “المردة” سيكون من الداعمين لهذا الخيار الذي يحتاجه لبنان اليوم بشدّة. وتضيف: لا مانع من “حصرية السلاح”، لكن العائق الأكبر هو في سلوك قوى داخلية حكمت لفترات طويلة ولم تنجح في معالجة هذا الملف، وهي تحاول جرّ الدولة إلى صدام مع حزب الله. فالمطلوب هو تجنّب الصراع، والعمل على معالجته بالحكمة والدراية، مع تأكيد أن تيار “المردة” يؤيد تطبيق خطاب القسم، والانتقال إلى دولة قوية قادرة على بسط سلطتها على كامل أراضيها، وحصر السلاح بيد جيشها وقواها الأمنية.

موقف كرامي
على الضفة السنّية، يؤكّد النائب فيصل كرامي، الذي لطالما حظي بدعم “حزب الله” هو ووالده الراحل عمر كرامي، التزامه الواضح بالبيان الوزاري وخطاب القسم اللذين يشكلان خارطة طريق لمصلحة لبنان بعد ما مرّ به من دمار وخراب. وتشدد أوساطه لـ”المدن” على ضرورة معالجة مسألة السلاح بالحوار بين الحزب والدولة، وتشير إلى أن الضمانات لا تقتصر على الطائفة الشيعية، بل تشمل المكوّنات اللبنانية كافة.

وتضيف الأوساط: أهم الضمانات هي وقف العدوان، والانسحاب الإسرائيلي الكامل، وتجنّب العودة إلى دوامة الصراع. وتتابع: “هذا السلاح لم يحمِ البلد، بل تسبب بكارثة كبرى.” وهذا الموقف لا يختلف كثيرًا عن مواقف خصوم الحزب الداعين إلى أن يكون في كنف دولة تحتكر قرار الحرب والسلم. ففي ظل النتائج التي أفرزتها الحرب الأخيرة، وعاينها اللبنانيون عن كثب، لم يعد هناك ما يبرّر استمرار وجود السلاح خارج الدولة، وبات لزامًا أن تكون لهذه الدولة مركزية القرار الأمني.

صمت إرسلان
أما على الساحة الدرزية، فيلوذ رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” طلال إرسلان بالصمت حتى اللحظة، ولم يتطرّق إلى مسألة حصرية السلاح. ويُرجّح أن تكون أحداث السويداء هي التي فرضت التريث، أو ربما هناك أسباب داخلية. ويؤكد مصدر قيادي في الحزب لـ”المدن” أن تكتم “المير” ليس صدفة، فحساسية المسألة تتطلّب النقاش المعمّق والتنسيق مع جهات عدة. وردًا على سؤال: هل يُعدّ الموقف “رماديًا”؟ أجاب المصدر: “على العكس، لم يكن المير رماديًا يومًا. لكن هذه القضية تحديداً تحتاج إلى دراسة عميقة، والمهم هو مصلحة البلد العليا وحماية جميع مكوّناته.”

موقف التيار
أما “التيار الوطني الحر”، فلا يرى نفسه محرجًا في إعلان موقفه. فالعلاقة مع الحزب شهدت توترات متكرّرة حتى ما قبل اغتيال السيد حسن نصرالله، ووصلت إلى حدّ التفكير بإلغاء تفاهم مار مخايل الموقّع عام 2006. ويؤكد “التيار” أن حصرية السلاح ضرورة، شرط تأمين كل مقوّمات الدولة القادرة. وفي حال تنكرت الدول الراعية لالتزاماتها واستمرّ العدوان الإسرائيلي، ولم تستطع الدولة الاضطلاع بمهامها، فإن ذلك يمنح الحزب ذريعة لمواصلة المماطلة في تسليم السلاح.

حبل الودّ

على رغم التقلّب في مواقف الحلفاء، لم يقطع حزب الله حبل الودّ معهم؛ إذ ظلّ موقنًا بأهميّة صون العلاقات الوديّة، في إطار المصالح المشتركة والتفاعل السياسي والتحضير للاستحقاق الانتخابي المرتقب في صيف العام 2026. وجولات قيادته على شخصيات وطنية تحمل في طيّاتها مصارحةً مطلقة، ورسائلَ واضحةً مفادُها أنّ الحزب ثابتٌ على الشراكة الوطنيّة، كما تؤكّد مصادر مقرّبة منه لـ”المدن”. وتُضيف هذه المصادر أنّ الحزب لم ينفكّ يُشدّد على تمسّكه بتحالفاتٍ دامت سنوات، وأنّه تحت كنف الدولة اللبنانيّة، يسعى جاهدًا إلى بلوغ حلولٍ تضمن أمن لبنان وسلامته، وتصدّ العدوان الإسرائيلي.

وتوضح المصادر أنّ ثمّة نقاطًا مشتركةً برزت خلال اللقاءات الأخيرة، في مقدّمها التأكيد على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي ووقف العدوان قبل الغوص في أيّ ملفٍّ آخر، وأنّ الوحدة الوطنيّة والسلام الداخلي يعلوان على كلّ اعتبار، ولا يُمكن التفريط في لحمة الشعب التي تجلّت إبّان العدوان الصهيوني الأخير، حين احتضن اللبنانيّون بعضهم بعضًا في مشهدٍ وطنيٍّ استثنائي.

حزب الله وحيدًا
في هذا المشهد المتغيّر، يقف حزب الله أمام واقع غير مسبوق؛ خصومه ثابتون على مواقفهم، وحلفاؤه يتراجعون الواحد تلو الآخر تحت وطأة الحرب وتبدّل الموازين الإقليمية. ولم يتبقَ له سوى الحاضنة الشيعية التي ما زالت تشكّل آخر أسواره الداخلية. ومع تقلّص الغطاء السياسي وتزايد الضغوط الدولية والداخلية، يبدو الحزب وكأنه يواجه أصعب اختبار في تاريخه، إذ لم يعد السلاح وحده كافيًا لحمايته من عواصف الداخل قبل الخارج، فيما تتّجه الأنظار إلى اللحظة التي يُحسم فيها مصير هذا السلاح.

The post حلفاء الحزب يبتعدون عنه: السلاح أم حسابات أخرى؟ appeared first on Beirut 24.

لطالما ظلّ سلاح “المقاومة” محاطًا بغطاء سياسي واسع، يحميه توافقٌ عابر للطوائف، من مسيحيين وسنّة ودروز، وصولًا إلى الإجماع الشيعي الكامل، الذي اعتبره درعًا واقيًا للبنان في وجه الأطماع الإسرائيلية، فيما بدت الدولة عاجزة عن حماية حدودها وسيادتها. وكان ذلك الغطاء بمثابة سقفٍ متين يصدّ العواصف، إلى أن بدأت رياح التحوّلات الداخلية تهزّه، وتكشف تصدّعاته …

The post حلفاء الحزب يبتعدون عنه: السلاح أم حسابات أخرى؟ appeared first on Beirut 24.

August 6, 20256:22 am